مقالات الرأى

د.أماني فاروق تكتب: الزعيم… بهجة العيد التي لا تغيب

0:00

في زحام الأعياد، حين تتناثر الضحكات وتتصاعد روائح الطهي، وجدتني أفتّش عن لحظة هدوء أقتنص بها شيئًا من الزمن الجميل. جلست أمام شاشة التلفاز، لا أبحث عن جديد، بل وجدتني أغرق طواعية في جرعة فنية مكثفة من أعمال الزعيم عادل إمام. تنقّلت بين عريس من جهة أمنية، والواد سيد الشغال، حتى وصلت إلى زهايمر… وبدلًا من تمضية الوقت، وجدت نفسي أتنفس فناً، كأن العيد هذا العام له مذاق خاص بطعم “الزعيم”.

لم تكن مصادفة أن تُخصَّص الشاشات في العيد لأعماله، وكأن التلفزيون يقدم للمشاهدين مائدة درامية متكاملة، فيها الضحكة الذكية، والمرآة الاجتماعية، والوطن بمعاركه وأحلامه. وفي هذه الجرعة الفنية التي تكرّرت على الشاشات طوال الأيام الثلاثة الماضية، شعرت أن عادل إمام لم يكن مجرد فنان نحتفي به في الأعياد، بل جزء من طقسنا الاجتماعي، ومكوّن من مكونات وجداننا الجمعي.

توقفت طويلًا أمام فيلم زهايمر… ليس فقط لأنه يحمل اسم مرض يُفقد الإنسان ذاكرته، بل لأنه ينبش في ذاكرتنا نحن، ويضعنا أمام مرآة قاسية للواقع.
ألم يكن هذا المشهد هو جزء حقيقي من واقعنا الحالي والذي امتد ليصبح احدي أهم قضايا الرأي العام؟
زهايمر لم يكن مجرد عمل درامي، بل كشف إنساني عميق عن معنى الجحود حين يتسلل إلى قلوب الأبناء والأحفاد، عن السلطة حين تنتقل من الآباء إلى الورثة، لا حبًا ولا وفاءً، بل رغبة في السيطرة والسطو. عادل إمام في هذا الفيلم كان رمزًا لكل إنسان شقي العمر في البناء، ثم وجد نفسه فجأة ضيفًا ثقيلًا في بيت من صنعه، بلا دفء ولا امتنان.
ولعل قوة الفيلم تكمن في تلك المفارقة المؤلمة: من يعاني الزهايمر حقًا؟ الأب الذي تاهت ذاكرته بفعل العمر، أم الأبناء الذين فقدوا ضمائرهم باختيارهم؟
في هذا التساؤل الصامت، يتركنا الفيلم لنفكر… وربما لنراجع أنفسنا.

ثم لا يلبث أن ينقلك الزعيم – بخفة أدائه وعمق تعبيره – إلى أعمال أخرى، مثل طيور الظلام، حيث تتجسد معركة أبدية بين السلطة والمال والدين، ذلك الفيلم الذي يُعد مرآة سياسية شديدة الذكاء، استطاع أن يلخص مشهدًا معقدًا في بساطة درامية مشوّقة. نفس الموهبة التي تجعلك تضحك في مشهد من الإرهاب والكباب.
لقد قالها الزعيم في أحد حواراته التلفزيونية:
“شوفي أفلامي كويس، هتعرفي تاريخ مصر… كل فيلم من أفلامي يعبر عن حقبة زمنية.”
وهذه ليست جملة عابرة. بل تصريح فني لافت، يُعيد تصنيف عادل إمام ليس كممثل فقط، بل كراوٍ لتاريخ اجتماعي وسياسي طويل، مرّ من خلال الفن، وتغلغل في ضمير الجماهير.
أعماله القديمة لا تشيخ، لأنها كانت سابقة لزمنها أحيانًا، أو متجاوزة للزمن أصلًا. بقي هو الزعيم الذي لم تغب ملامحه عن الشاشة، حتى وإن غاب بجسده عن الأعمال الجديدة. بقي وجهه مألوفًا، وضحكته وطنية، وصوته يحمل شيئًا من سلطة الفن حين يتقاطع مع قضايا المجتمع.
وفي ثالث أيام العيد، وبين مشهدٍ وآخر من أعمال عادل إمام، شعرت أنني لم أشاهد مجرد أفلام… بل استعدت وجه مصر في مرايا الفن، وتنفّست وجدان شعبٍ بأكمله، ضحك وبكى وسخر، لكنه لم يفقد يومًا إيمانه بالحياة.
الزعيم أبدا لن يغيب، لأنه لم يكن مجرد فنان… بل ذاكرة وطن.
—-
مدير مركز التدريب والتطوير بمدينة الانتاج الاعلامى

زر الذهاب إلى الأعلى