مقالات الرأى

محمد محمود عيسى يكتب إصلاح الدراما وتأثيرات القوة الشاملة المصرية

0:00

بداية لا أتفق مع مصطلح أو تعريف ” القوة الناعمة ” ذلك المصطلح الذي يشمل كل جوانب القوة والتأثير والنفوذ المعنوي والحضاري والثقافي وأستعيض بدلا منه تعريف أو مصطلح ” القوة الشاملة ” تلك القوة التي تدمج في تكامل وتناسق تام بين القوة الخشنة وآلياتها ومدى تأثيرها ونفوذها وتحقيقها للحماية والردع وبين مفردات وأدوات ما يسمى بالقوة الناعمة وذلك على اعتبار أنه لا يمكن الفصل بين جوانب القوة والتكامل في مواطن القوة الخشنة ومواطن الضعف والتفكك في أدوات وتأثير ما يسمى بالقوة الناعمة ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمتلك كل عوامل التفوق والنجاح في تأثيرات القوة الخشنة وفي الجانب الآخر هناك بعض عوامل الضعف في أدوات ما يسمى بالقوة الناعمة وإذا حدث ذلك فقد يكون هناك خلل  في توازنات وتأثيرات أحد جناحي القوة الشاملة وهناك من الأسباب ما يستدعي أحيانا أن تتقدم أدوات ما يسمى بالقوة الناعمة على أدوات القوة الخشنة وذلك على اعتبار أن تأثيرات أدوات القوة الخشنة محددة ولها توازنات معلومة وجامدة ومرتبطة بحسابات سياسية معقدة أما أدوات ما يسمى بالقوة الناعمة فهي أدوات مرنة مطلقة  مستمرة ودائمة التأثير وترتبط بمدى تقدم ورقي وتحضر المجتمع  وينعكس تأثيرها أولا وأخرا على مدى جودة القوة الشاملة .

ومن هنا كان الاهتمام الدائم بضرورة تكامل عناصر ومفردات القوة الشاملة واعتبارها ركيزة مهمة من ركائز قوة وشمولية الدولة المصرية هدف تسعى إليه الدولة المصرية وتعمل على تحقيقه والوصول بمستوى الأداء فيه إلى أعلى مستويات الأداء والجودة وما حدث خلال السنوات الماضية من تجريف للكثير من أدوات ومفردات ما يسمى بالقوة الناعمة كانت نتائجه سيئة إذ تعرض المجتمع المصري لغزوات دينية وثقافية وفنية ومجتمعية قاسية وعنيفة صدرت نماذج التطرف والتشدد في الدين والتردي والقبح في مجالات الفن والطرب والمسلسلات والبرامج الاجتماعية وتعرضت الأسرة المصرية لمجموعة أخرى من الغزوات البرامجية التي تهدف إلى تفكيك علاقات الاحترام والتقدير والقناعة بين الزوج وزوجته وتصدر لهما مجموعة من المعاني الأسرية السطحية التافهة التي تحمل في طياتها كثيرا من السخرية والتعالي على علاقات الزوج بزوجته وتجعل السطحية والسخرية والتمرد حديثا دائما ومتواصلا بين أفراد الأسرة الواحدة

وإذا اضفنا على ذلك تلك الغزوات الدرامية الرمضانية التي تصدر للمتفرج مشاهد البلطجة والقتل والمخدرات والألفاظ الخارجة والعلاقات المحرمة والغير مشروعة وكأنها تدفع المجتمع والأسرة المصرية إلى حافة التهلكة مع سبق الإصرار والترصد ومع كل الأسى والحزن نجد أن الجنود في هذه الغزوات على اختلاف مضمونها ورسائلها وتغطيتها لكل جوانب الرسائل الإعلامية بعض من سمحوا بتأجير عقولهم بعقود محددة المدة أو من سمحوا ببيع ضمائرهم مفروشة وتمليك

لذلك كان التحدي الحقيقي هو مواجهة اختراق الجبهة الداخلية وتفكيك المجتمع المصري والعمل على انهياره وسقوطه في مستنقع التفاهة وتصدير كل النماذج الوضيعة لقتل وتدمير وتشويه كل نماذج القيم الإنسانية والأخلاق والحضارة المصرية وامتدادها وتواصلها مع الأجيال الجديدة حرب قاسية وعنيفة قامت على المجتمع المصري وعلى أدوات  قوتها الناعمة وتم رصد ميزانيات بالملايين للصرف والانفاق على هذه الحرب وللأسف كانت حرب على جميع المحاور بدون استثناء الحكومية والخاصة واستخدمت فيها سطوة ونفوذ المال والهدايا الجنونية ونجحت هذه الحرب إلى حد كبير فيما وصل إليه حال المجتمع  ونوعية الجرائم والسلوكيات التي نسمع عنها ونراها في الشارع  وغاب المثل وضاعت القدوة وتحول كل شيء راقي في الفن إلى ترفيه فاقد الهدف والمضمون والرسالة ولكن يشاء الله أن يخرج شعاع نور وسط هذا الظلام الحالك شاب صغير في المرحلة الثانوية الأزهرية يؤم المصلين في الأزهر الشريف وبصوته المصري الجميل يستعيد عرش دولة التلاوة وببرنامج مدته دقائق معدودة نسترد التأثير ونغير كل معادلات ما يسمى بالقوة الناعمة ونضيع على أطراف المعادلة الأخرى أمولا بالملايين صرفت وتم إنفاقها لإبعاد الشباب والمجتمع عن الجودة والرقي والقيمة ونصنع لهم أزمة كبيرة تعود بالجميع إلى المربع صفر كيف سيواجهون هذه التغييرات الجديدة في تصحيح مفاهيم المجتمع  وعودة قوة مصر الشاملة مرة أخرى لكي تقود وتؤثر في المحيط والاقليم والعالم  تلك النهضة المصرية في إعادة وصياغة وتقديم مفردات ومفاهيم أدوات القوة الشاملة المصرية التي سوف ينعكس أثرها ليس على إعادة صياغة ثقافة ووعي وتحضر المجتمع المصري فقط بل سينعكس أثرها على تشكيل وجدان وشعور وثقافة العالم العربي مرحلة جديدة ومهمة جدا في مستقبل الدولة المصرية والجمهورية الجديدة انتظرناها طويلا في تقديم ما يليق بالحضارة المصرية العريقة وبالمجتمع المصري المتحضر الراقي

زر الذهاب إلى الأعلى