محمد أمين المصري يكتب : مأزق إسرائيل في غزة
لم تكن إسرائيل تتوقع أن يصدر عن قال رئيس الاستخبارات السعودية الأسبق، الأمير تركي الفيصل تصريحات ضد عملياتها العسكرية البربرية على قطاع غزة، فما قاله الأمير الفيصل تعتبره إسرائيل لطمة قوية ضدها، لماذا؟ فرئيس الاستخبارات السعودية الأسبق قال:“عملية(طوفان الأقصى) التي نفذتها حركة “حماس” ضد الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر الماضي، حطّمت صورة إسرائيل أمام العالم“.
ومعروف أن إسرائيل تكره تعبير ” تحطمت صورتها القوية في العالم“ ، لأن ما تصدره من بيانات تعد وهمية، فهي تقترب من اليوم التسعين للحرب ولم تعد قادرة على مواصلة الحرب ضد حماس رغم كل عملياتها العسكرية اليومية التي تستخدم فيها أحدث ترسانات الأسلحة الأمريكية والعالمية، وحتى يومنا الراهن فشلت إسرائيل بكل ما تملكه من دعم دولي (قادة العالم فقط وليس الشعوب) في ل الانتقام هجمات حماس على إسرائيل، والطريقة التي استطاعت بها أن تغزو الحصن الحصين الذي وضعته إسرائيل حول غزة، أدى إلى تداعيات كبيرة جدا أهمها تحطيم الصورة التي كانت لدى الكثير من الناس في االعالم،عن أن إسرائيل منيعة ضد أي قوة يمكن أن تنافسها، أو تجاريها، أو تتحداها في المنطقة“.. هكذا قال الفيصل في حواره مع قناة ”الإخبارية“ السعودية.
والملفت في هذه الحرب إنها جاءت بنتائج عكسية ضد إسرائيل، فهي أعادت ” القضية الفلسطينية“ إلى الواجهة العالمية وجعلت الجميع يؤكد أن القضية لا تزال حية ولم تمت، كما ادعى البعض خلال السنوات الماضية أن فلسطين هذه شيء أصبح منسيا ولا يوجد اهتمام به.
ويؤكد الفيصل في تصريحاته المحبطة لإسرائيل أن إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية وانهيار صورة إسرائيل القوية، أيقظت العالم ليس فقط إلى أن هناك قضية فلسطينية، ولكن أيضا أن هناك اضطهادا، وهناك ظلم، وهناك ضيم يمارس ضد الشعب الفلسطيني، من قبل محتل يشبه الاحتلالات الاستعمارية في القرن التاسع عشر، التي كانت تمارسها دول أوروبا في مناطق مختلفة من العالم،إن كان في آسيا، وفي أفريقيا وفي أمريكا اللاتينية“.
والحرب تقترب من يومها التسعين، لا يزال الجيش الإسرائيلي يواصل عدوانه على قطاع غزة، مدعوما بأسلحة عسكرية ودبلوماسية أمريكية وأوروبية، ما أدى إلى دمار هائل في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة، واستشهاد نحو ٢٢ ألفا ، وإصابة ٥٧ ألفا ، معظمهم أطفال ونساء.
ربما ما سلف يمهد لنقطة حيوية أخرى مع قرب انقضاء ٩٠ يوما على الحرب البغيضة ليكون التساؤل المهم: هل حققت إسرائيل أهدافها من الحرب الغاشمة؟..الإجابة الأولى لا بالطبع، ويكفي مع استخدام كل هذه الأسلحة الفتاكة (برا وجوا وبحرا) أن العمليات العسكرية لم تقض على حماس وهو الهدف الأول من الحرب كما أعلنت القيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية في بدايات الحرب. فالعمليات العسكرية لم تحقق سوى جزء من هدف تحرير الرهائن، وهذا تم نتيجة اتفاق تبادل الأسرى وليس كنتيجة مباشرة للحرب، لأن حماس حققت هي الأخرى مكاسب من وراء صفقة تبادل الأسرى أو الرهائن. ومع اقتراب اليوم التسعين من الحرب، لا تزال تداعيات هجمات حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي تشكل صدمة ورعب للجيش الإسرائيلي قبل المواطنين الإسرائيليين، فالهجمات تركت بصمات واضحة على الشعب الإسرائيلي الذي يعيش في رعب من تكرار نفس السيناريو في وقت لاحق، وهو ما يرد عليه القادة العسكريين بأن العملية العسكرية لن تنتهي إلا بالقضاء على حماس وجعل قطاع غزة خال تمام من عناصرها.
رغم تصريحات القادة العسكريين في إسرائيل ومعهم المستوى السياسي، بأن الجيش الإسرائيلي قادر على إنجاز العملية في وقت قصير، فلم يستطع هذا الجيش على مدى ٩٠يوما من قول كلمة نهائية، والفيصل في هذا أن الجيش بدأ الحرب مستهينا بقدرات حماس القتالية داخل القطاع، حتى أوقعه حظه العاثر في مأزق خطير، فلم يعد قادرا على إنهاء الحرب بدون تحقيق ما حدده من أهداف ففي. البداية، ولب المشكلة أن القادة السياسيين والعسكريين أوهموا المواطن الإسرائيلي أن العملية محسوبة خلال أيام قلائل.
ناهيك أن الحرب الإسرائيلية وضعت تل أبيب في مأزق أخلاقي أمام شعوب العالم، فعدد القتلى الفلسطينيين يتزايد كل يوم بالتزامن مع تخريب المباني والبنية التحتية مما زاد المشكلة الأخلاقية في مواجهة تزايد المعارضة الشعبية العالمية للحرب الغاشمة.
ثم نأتي إلى شكل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو الذي أصبح فاقد الوعي من كثرة ما يتعرض له من معارضة حتى داخل حزب الليكود الذي يتزعمه، فالحرب تدور حاليا لتغييره وتبديله بقائد آخر قبل أن يفقد الليكود شعبيته نتيجة زيادة الخسائر في الاقتصاد الإسرائيلي وتراجع قيمة الشيكل وتدني المستوى الاقتصادي وتراجع تصنيف إسرائيل في المراجع الاقتصادية العالمية.
وبدلا من أن يعلن نيتانياهو الانتصار في الحرب، أصبح يشعر بانتكاسة يومية، من الخسائر الاقتصادية وتدني نفسية المواطن الإسرائيلي الذي فقد الثقة في الحكومة والجيش معا.
لقد صعد القادة الإسرائيليون الشجرة، معلنين القضاء على حماس وتحرير قطاع غزة منهم، ولكن وحتى يومنا هذا لم تتأثر حماس بكل هذه الضربات الإسرائيلية التي لم تصب سوى مواطني القطاع الذي تتضرر بشكل كبير للغاية يصعب معها إعادة تعميره لاحقا. وهؤلاء القادة يواجهون مشكلة كيفية النزول مع على الشجرة بدون خسائر، ولكن حتما سيكون النزول من الشجرة بمثابة أكبر خسارة لإسرائيل.