حازم البهواشي يكتب: هل تعرِفُ نبيَّك؟!
بعيدًا عن الجدل الذي يُثارُ حول الاحتفال أو عدم الاحتفال بمولد النبي محمد _ صلى الله عليه وسلم _ (والرأي عندي في ذلك رأي الأزهر وعلمائه وهو أن الاحتفال بمولده عليه السلام مظهرٌ من مظاهر تعظيمِه وتوقيره الذي هو عنوانُ محبته، وهو من المندوبات)، دعونا نتفق أن بيننا وبين اِتِّبَاع أخلاقِ وتعاليم النبي بَونًا شاسعًا!
إنه عليه السلامُ كان يُعِدُّ لكل أمرٍ عُدَّته، ويأخذ بأسباب النجاح، ويُخطط للفلاح، رغم أنه أَوْلَى الناسِ وأجدرُهم بنصرِ الله وتوفيقِه. ونحن استهنَّا بقانون السببية وتكاسَلْنا، فلمْ نُقدمْ سببًا ومع ذلك نقول: (سيبها لله _ كله على الله)، وهي كلماتُ حق، ولكن يُرادُ بها باطل!! يُرادُ بها ألا تَبْذُلَ مجهودًا، وتَعْزِي سلبيةَ النتائج إلى إرادةِ الله!! أنت تكاسلتَ عن أداء ما عليك، فلماذا ترجو من الله أن يُساعدَك وأنت لم تُساعد نفسك؟! دينُ رسول الله يدعوك إلى أن تأخذ بالأسباب كأنها كلّ شيء في النجاح، وفي نفس الوقت تتوكل على الله كأنه لا أسبابَ قدَّمتَها!!
حياةُ رسول الله تُعلمنا أن الإسلامَ يربطك بالمبدأ لا بالشخص، ” وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ ” ( آل عمران _ 144 )… أن الحقَّ لا ينتصرُ لأن اسمَه (الحق)، بل لأن هناك رجالًا ثبتوا على الحق، وتشبثوا به مهما لاقَوا من إيذاءٍ وحرب!!
ومن يَثني الأصاغرَ عن مُرادٍ // وقد جلسَ الأكابرُ في الزوايا؟!
نعم يضعُفُ الحقُّ أحيانًا ويخفُتُ صوتُه فيَعِزُّ التمسكُ به، ويَقْوَى الباطلُ ويَذيعُ صِيتُه فيكثرُ (التطبيلُ) له، لكنَّ أهلَ الحق عند بَعثة النبي كانوا قِلَّةً مستضعفين، ” فَصَبَرُوا عَلَىٰ مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّىٰ أَتَاهُمْ نَصْرُنَا ۚ وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ” ( الأنعام _ 34 ).
إن الكرامَ أبناءَ الأصول لا ينسَون معروفًا أُسدِي إليهم، فتخيلْ نفسَك كنتَ ضالًّا في طريق، بل أصبحتَ على وشك الهلاك، ثم ظهر مَن هداك، فهل تنسى له معروفَه؟! هذا ما فعَلَه رسولُ الله مع آبائنا حتى وصلَ إلينا الإسلامُ دون مجهودٍ أو تعبٍ منا، لكننا نتنكرُ لأخلاق وتعاليمِ صاحبِ الرسالة والمعروف!! اقرأ سيرتَه صلى الله عليه وسلم، وسيرةَ أصحابه، وقِفْ بإكبار عند هؤلاء الرجال أحرارِ العقول كبارِ القلوب، الذين (كانوا في أسواق المال وساحات القتال جِنَّ سُليمان، فلما نصرهم اللهُ بعدَ محنتهم ملأوا الدنيا حضارة ونضارة) كما وصفهم الشيخ محمد الغزالي (1917م _ 1996م).
ألم تُفكرْ يومًا كيف استطاعَ رسولُ الله _ صلى الله عليه وسلم _ أن يحتفظَ بسلامِه النفسي رغم أعباءِ الحياةِ عمومًا، وأعباءِ الرسالةِ خصوصًا، ورغم كلِّ هذه المحن التي مرَّ بها؟! نبيُّك صاحبُ الرسالة كان يعي ما هو مكلفٌ به، أقسَمَ منذ سنواتِ الدعوةِ الأُولى أن يَصِلَ لهدفِه، وأعلنَ في وضوحٍ وحسمٍ وثبات أنه لن يَتركَ هذا الأمرَ ولو استطاعوا أن يُشعلوا له شعلةً من الشمس! فوقف صُلبًا أمام المشاق والمتاعب، وكان لثَباتِه ويقينِه وقعٌ كبيرٌ على معسكر الضلال، وقد عزمَ على نشرِ دعوتِه حتى تؤتيَ ثمارَها في إيقاظ العقول من البلاهة، وإيقاظِ القلوب من الغفلة… في إيقاظِ هِمم الناس. جُبِلت النفوسُ على حُبِّ مَن أحسنَ إليها، ونحن نُحبك يا سيدي يا رسول الله، لكننا ما تَرْجَمْنَا بعدُ حُبَّك من أقوال إلى أفعال، ولا يَزالُ الشَّبَهُ بعيدًا بين أتباعِك في الأوَّلين وأتباعِك في الآخِرين!!