سمير السيد يكتب : مأساة الإخوان.. من سحق الفرد إلى التآكل الذاتي

الجماعات التي تقوم على سحق الإرادة الفردية لصالح «سرديات كبرى» كجماعة الإخوان، تعاني من إعاقة بنيوية، تمنعها من التعلم ومراكمة المعرفة، وهو ما يقودها إلى العجز عن إجراء أي من أشكال النقد الذاتي، فينتهي بها المآل إلى الدخول في عزلة زمانية، أقلها النزوع المفرط إلى تمجيد الفشل والأخطاء، وصولا إلى مرحلة نهائية من الانشطار والتآكل الذاتي.
لذلك تبدو جماعة الإخوان بحكم بنيتها النفسية والعقلية، وكأنها تعيش في «اللازمان». ليس بمعنى انفصالها عن الواقع الآني فحسب، ولكن لعجزها عن مد خط الزمن، وربط الأحداث والتجارب، كشرط حتمي للتطور.
هذه الأزمة البنيوية، أدت إلى انحباس الجماعة، ما جعلها مستباحة أمام فكرة السقوط المتكرر وبلا نهاية في نفس الاختبارات والأخطاء، لتتحول قصتها إلى تراجيديا تشبه أسطورة “سيزيف” الإغريقية، والذي قررت الآلهة معاقبته، بأن يدفع صخرة ضخمة إلى قمة جبل، وكلما يكاد يصل إلى هذه القمة، يفقد سيطرته على الصخرة، لتتدحرج إلى أسفل، فيضطر إلى البدء من جديد.
فصول من هذه المأساة تحدث دوما للجماعة، غير أنها تجسدت بوضوح وخفة، في حملتها الأخيرة ضد مصر، حين استخدمت أدوات غبية وتكتيكات فاضحة من بينها حصار السفارات المصرية، بغية تحويل مقدار الشعبية التي حصل عليه الرئيس السيسي جراء موقفه الرافض لتهجير الفلسطينيين، من رصيد إيجابي إلى سلبي، وبما يضع القيادة تحت ضغط الاختيار بين التخلي عن شرعيتها الأخلاقية، أو التورط في حرب تجنبا للغضب الشعبي.
ومع العجز الطبيعي للجماعة، عن إدراك أبعاد “صورتها الذهنية”، التي تشكلت عند عموم المصريين، إثره تجربتها المؤلمة في الحكم، جاءت هذه الحملة – التي تماهت مع أهداف إسرائيل – في سياق انخراط الجماعة، في صراع صفري، وانتقام جماعي، ليس من نخبة الحكم فحسب، بل من الدولة المصرية بكل قواها الاجتماعية، ومؤسساتها السياسية والسيادية.
وفي هذا الإطار عمد الإخوان إلى صياغة “سردية عكسية”، استهدفت تحويل الموقف الأخلاقي للدولة المصرية إزاء محاولات تصفية القضية الفلسطينية، إلى وضع مشين أقله اتهامها بالمشاركة في حصار غزة.
ولم تنجح خطة الإخوان، والتي توصف في حدها الأدنى بأنها عمياء وغير عقلانية، سوى في ضرب مستوى قياسي من الفشل، ليس فقط بما واجهوه من حمم الهجوم الشرس لقطاع عريض من المصريين ضدهم، ولكن بتحول حملتهم ضد مصر، إلى قرينة نهائية وباتة على تأصل صفة الخيانة، في التكوين القيمي والنفسي، لجماعة لم تكن الظروف المحيطة بتأسيسها، ولا اسمها، ولا توقيت ظهورها، ولا طبيعتها التنظيمية، ولا حتى مسار حركتها، غير جزءًا من استراتيجية كبرى لتفكيك الدول الوطنية، التي تمثل في حقيقتها محاور ارتكاز هذه الأمة، ومخزونها الحضاري، وقدرتها على النهوض مجددا.
لقد بدد الإخوان بهذه الحملة وبشكل نهائي، أحد الأكاذيب الكبرى التي تم ترويجها خلال المائة عام الأخيرة، وهي أن الجماعة حركة اجتماعية دينية تستهدف إقامة الخلافة الإسلامية، لكن الصحيح، أن الإخوان حركة انفصالية خرجت عن وحدة الأمة الإسلامية، بتأسيس جماعة اشبه بالجيتو حملت اسم “الإخوان المسلمون” وهو الاسم الذى وضعها فى موضع ممايز فى مواجهة الأمة الإسلامية ككل.
فتأسيس الجماعة من مصر، وإن حمل شعار الخلافة، كنوع من التقية ووسيلة للتجنيد، إلا أنه استهدف ضرب المركز العلمى والروحى لدين الإسلام، وإحداث أكبر انشقاق فى الوعى الإسلامى المعاصر.