مقالات الرأى

مختار محمود يكتب: عندما يذهب التكريم لمن لا يستحق؟

0:00

جرى العُرف أن تُكرم الدول أبناءها النابهين، وتمنحهم أرفع أوسمتها؛ تقديرًا لهم، وتشجيعًا لغيرهم على الجد والاجتهاد والتميز. هذه قاعدة راسخة تحافظ عليها دول العالم المتقدم، وتُعتبر من مقومات تقدُّمها. أمَّا في دول العالم الثالث فإن الأوسمة والنياشين تخطئ طريقها، وتذهب لمن لا يستحق غالبًا؛ لأن المعايير تكون مختلفة ومتضاربة ومتداخلة ومتعارضة.
في أوروبا والدول المتقدمة..التكريم يذهب لمن يكون جديرًا به ومُستحقًا لها دون عناء منهم، أمَّا في دول العالم المتأخر.. فإن التكريم ينحصر في فئة معينة ذات انتماءات خاصة وولاءات معينة، بغضِّ النظر إن كانت تمتلك نذرًا يسيرًا من الموهبة والنبوغ أم لا.
خلال الساعات الأخيرة..انفجر الفضاء الإلكتروني غضبًا؛ إثر تكريم رسمي رفيع المستوى لأحد قراء القرآن الكريم. الغاضبون أجمعوا على أن هذا القاريء لا يملك من الموهبة وحُسن الصوت والأداء ما يجعله جديرًا بأي تكريم على أي مستوى،بل يرونه أدنى كثيرًا من جميع القراء المعاصرين، ورأوا في هذا الأمر إشارة إلى أن كثيرًا من التكريمات الرسمية غير عادلة وغير منضبطة، وتتدخل فيها أمور عديدة تفتقد إلى أبسط درجات المنطق، وهو ما يكون سببًا مباشرًا في إحباط كل مَن يعتقد واهمًا أن الصعود إلى منصات التتويج يتطلب عملاً جادًا ودؤوبًا ومخلصًا.
الغاضبون تساءلوا أيضًا: على أي أساس تم الاختيار، وجرى التكريم؛ فالشيخ لم يؤتَ حظًا من صوت جيد أو أداء عظيم، كما إنه متعدد اللحن والخطأ، وظهوره التليفزيوني الأخير قبل 3 أسابيع جاء مثيرًا للشفقة والجدل، ويُقال –والعُهدة على الراوي- إنه لم يكمل حفظ القرآن الكريم بعدُ؟
وبعيدًا عن غضب الغاضبين وتساؤلات المتسائلين، ومعظمها صادق وحقيقي ولا ينطوي على أي تحامُل، كما يردد القاريء وأقاربه..فإن هذا التكريم الرسمي الصادم لن يمر مرور الكرام، وسوف يترك أثره السييء في نفوس الكثيرين من قراء القرآن الكريم، ومن غيرهم في شتى المجالات؛ لأنهم سوف يوقنون أنه لن يكون هناك أي جدوى من عمل منظم وجاد ومتقن!
أغلب الظن أن هذا القاريء ما كان ليحصل على هذا التكريم لولا علاقته الوثيقة وتقرُّبه الكبير من الوزير المسؤول الذي رضي عنه بعد غضب، وعفى عنه بعد سخط، وصالحه بعد خصومة، وقرَّبه بعد إبعاد، حتى إنه جعله نائبًا له في كيان تم إطلاقه مؤخرًا. ولأنَّ الأمر مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعلاقات والصداقات، فإن قارئًا آخر يشارك القاريء المُشار إليه في نيابة الوزير في هذا الكيان تم تكريمه أيضًا في المناسبة ذاتها، وكلا القارئين ليس الأفضل في جيله، ولا في الجيل التالي لهما، وإن كان الثاني لا يميل للصخب وإثارة الغضب وحب الشهرة والغلو في المباهاة والتفاخر ممزوجًا بادعاء التواضع!
والتاريخ يشهد أنه خلال نحو 70 عامًا على الأقل.. لم يذهب التكريم الرسمي إلى القراء الأكابر الذين أسهموا بحظ وافر في مجد دولة التلاوة المصرية وعزها، بل إن معظم الأسماء البارزة لم يكونوا يومًا على يمين النظام الحاكم ولا يخطبون ودَّه بأية صورة، بل كانوا يستغنون بالقرآن الكريم عن كل متاع دنيوي زائف، ومنهم من كان يرفض دعوات رسمية للتلاوة؛ تنزيهًا للقرآن الكريم عن أي مظاهر تنال من توقيره وتقديره وتعظيمه، وقد تُصدم –عزيزي القاريء- عندما تعلم أن معظم التكريمات التي حصل عليها مشاهير القراء المصريين كانت من الخارج؛ إذ جرى العُرف على أنه: “لا كرامة لنبي في وطنه”!
إن هذا التكريم الثنائي يُعتبر إسدالاً للستار على جميع المحاولات التي سعت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى من دولة التلاوة المصرية، وتصويب مسارها الذي انحرف أشد الانحراف في السنوات الأخيرة، وإعادة إحيائها تدريجيًا، ولكن فات الميعاد، وانتهى كل شيء، ولا حول ولا قوة إلا بالله الذي اقتضت قدرته العليَّة أن لكل شيء إذا تم نقصانًا، ثم زوالاً..ولله الأمر أولاً وآخرًا، ظاهرًا وباطنًا.

زر الذهاب إلى الأعلى