مقالات الرأى

هاجر تهامي تكتب: على حافة الجنون .. جسدٌ ثائر وسلامٌ مؤجَّل

0:00

الجسد يهجر، ويغضب، ويثور بآهاتٍ دفينة في ليالٍ طويلة، خوفًا من أن يفوته الميعاد، فيفنى رفضًا وقهرًا لما لا يُطاق، وتظل تلك الثورة داخله خشية أن يدركها من لا يفهمها.

اعتدنا أن يكون صراخ الجسد إما مرضًا أو متعة، متغافلين صراخ السكينة، والحاجة إلى الاستسلام قليلًا لإطفاء نارٍ موقدة، ما كانت لتهدأ إلا بجسدٍ ملقى في عرض البحر؛ رأسه تعبث بها أسماك لم تطَلْها أفواه البشر، وقدماه ممدودتان حيث لا حذاء يُثقلهما، ولا ألم يسكنهما، وذراعاه باسطتان لاستقبال ما قد تجود به المياه لضماد جراحٍ عقلٌ منهك، أملًا في بلوغ برّ السكينة.

الوصول إلى شاطئ الراحة ليس هينًا في ظل صراعٍ يجهله العقل؛ لا يعرف متى بدأ، ولا كيف يُنهى.
هل بصرخة ألم؟ أم برصاصة رحمة؟
هل يُلقي بنفسه في منتصف الطريق لتأكله قروش العاصفة؟ أم يقبل ما لا يُطاق حتى تفلت قبضته؟
وهنا.. أهلاً بك في عالم الجنون.

أن تكون مختلفًا لا يعني هوس الأنا، بل هو رفضٌ لتشابه العامة، ورغبة في أن تُعلن أنك هنا، بما تحمله من إنسانية، وبثراءٍ صنعته بيدك، في عالمٍ لا يهم من يراه.. حتى وإن كان وهمًا.

أن تنأى بذاتك عن الصراعات، حتى لو كانت لك فيها ناقة أو جمل، كأن تقف على قمة جبل وتصرخ ملء فمك:
“يا الله أغثنا.. ياالله أغثنا براحة بلال قلب محمد بنداء الصلاة”.

إن التصالح مع مشقة الحياة يبدأ من العقل،
أن تقول لنفسك:
“لا يشغلني سوى أن أحيا بلا صراع”.

وهنا تبدأ الحرب الحقيقية:
أن تُقنع هذا العقل المنهك بمنح الجسد إشارة الراحة،
أن يُطفئ نار العناء عناء الإثبات والنفي.

ليس من السهل أن تمنع عقلك من دخول الحرب المشتعلة طلبًا للسكينة،
فالقرار دومًا لمن يملك الشجاعة، حتى في لحظات الاستسلام.

فاصنع محيطًا تكون أنت بطله،حتى وإن كان أوله وآخره في خيالك وحدك،
فمن حقك أن تحيا في عالم، ولو ظنه الجميع وهمًا.

أحيانًا يكون الخيال هو المنقذ الوحيد في واقعٍ لا تقبله، لكنك مُضطر لمجاراته؛ سواء كان عملًا، أو بيئةً غير آمنة على روحك،أو أناسًا فُرضوا عليك بفعل عجزك عن الوصول إلى من يليق بجلال روحك.

فلا تُصالح، حتى لو منحوك الذهب.

فالذهب الحقيقي هو أن تحفظ نقاءك،وتبقى وفيًا لصورتك الأولى.. الصورة التي لم ينجُ منها أحد سوى أنت.

زر الذهاب إلى الأعلى