مقالات الرأى

هاجر تهامي تكتب: لا ظلم اليوم

0:00

أنا ابنة نوفمبر، ولست ممّن يردّدون مصطلح “نوفمبر السعيد”، فكل أوقات السلم سعادة، وكل الشهور تَطِلّ أبوابها على ركن السعادة إن أراد أصحابها ذلك.

أن تخطو نحو الأربعين هو أن تفتح بابًا أكثر نضجًا ووعيًا وتصالحًا مع ما كان يرفضه عقل الثلاثين.

فاليوم تنام مطمئنًّا للأعباء والمسؤوليات الملقاة على عاتقك، وقد اتّضحت الرؤية دون أحلام وردية، وتدرك جيدًا ما أنت مؤهّل له، وما ترفضه إرادتك الحرة الواعية.

وعلى هذا الباب، لم تعد ذلك الصغير الساعي للتجريب؛ بل أنت في موسم حصاد ثِمارك… إمّا تجنيها واقفًا ثابتًا، أو مطأطأ من التيه حيث أكلتك الحياة ونسيتَ أن تأخذ منها قوت سنواتك القادمة.

هنا تهدأ حروب الجسد، وتطمئن الروح بعد أن تعافت من خيبات الصغر.

اليوم لا هرب، ولا خوف، ولا تنصّل من خطأ كان سببًا فيما أنت عليه الآن.

اليوم لا ظالم لأحد سوى نفسك؛ فإمّا أن تأخذ بيدها، أو ترتدّ عنها فتقودك إلى طريق ليس طريقك، بشخصية متردّدة لا هوية لها.

لا خيبة ولا خسارة ..فكل ما أنت عليه الآن هو مكسب انقضاء ضبابية الثلاثين اللاهثة نحو الثبات والاستقرار.

وليس غريبًا أن يكون لهذا العمر خصوصية؛ فالأربعون كانت نقطة تحوّل لبعض ممن اختارهم الله لحمل الرسالة:
محمد ﷺ نزل عليه الوحي وهو في الأربعين، وموسى كُلِّف بالنبوة وهو قريب منها، وداود اكتمل ملكه ونضجه عندها، وبلغ سليمان ذروة حكمته في هذا السنّ، وحتى أيوب قيل إنّ ابتلاءه امتدّ قرابة الأربعين عامًا.
وكأن هذا العمر عهدٌ جديد مع النفس لا يبدأ إلا بالنضج، ولا يُفتح إلا لمن بلغ من الوعي ما يكفي ليستقبل ما تغيّر فيه.

هنا لا يفصلني عن اكتمال الأربعين إلا عام واحد، بعدما سيرت في خطى القدَر ٣٩ عامًا.

وأظنّ أنك حين تثق، ستُعلن عن عمرك كلما سُئلت، وإن كنت لا أجد سببًا للتساؤل، إلا إذا كنت باحثًا عن وظيفة، وأظنّ أنك إن وصلت لباب الأربعين فقد أمسكت بمفتاح عملك، فاليوم لست باحثًا، أنت الآن في محرابك.

الأعمار بالقلوب لا بالسنين، فما تراه داخلك، وما حييتَه بروحك وقلبك، هو عمرك الحقيقي؛ فلا أوراق ثبوتية ولا شهادة ميلاد تعلن كم قضيت في الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى