عبد المعطى أحمد يكتب: اللافتة التى اختفت!

فى مدخل شارع التسعين الجنوبى بالقاهرة الجديدة أنشىء نفق لربط هذا المحور العظيم بمحور التسعين الشمالى, ووضعت عليه لافتة “اللواء مهندس باقى زكى يوسف” أحد أهم أبطالنا فى حرب أكتوبر 1973 , وفجأة أزيل هذا الشعار أو هذا الاسم عن النفق دون إبداء أى أسباب!
وباقى زكى يوسف لمن لايعرفه ولد فى 23يوليو 1931, وتخرج فى كلية الهندسة قسم ميكانيكا جامعة عين شمس 1954, وعمل بشركة “المقاولون العرب” مهندسا فى موقع السد العالى, وهنا أخذ خبرته المهنية, ثم التحق بالقوات المسلحة, وتدرج فى المناصب العسكرية حتى رتبة اللواء, وشغل منصب رئيس فرع المركبات بالجيش الثالث الميدانى, وقبل حرب أكتوبر كان له رأى فى إزالة خط بارليف المنيع كما قيل عنه, حيث قدم فكرة استخدام مضخات المياه لتجريف هذا الساتر الترابى العظيم من على ضفة القناة الشرقية, مستمدا هذه الفكرة من طريقة إزالة الرمال فى مشروع السد العالى, واستطاعت القيادة السياسية المصرية حينما علمت بهذا الاقتراح أن تحيطه بسرية بالغة طبقا للخطة الاستراتيجية لحرب أكتوبر, وقد حدث ذلك فور اتخاذ قرار العبور, واستطاعت مضخات المياه أن تفتح طرقا فى الساتر الترابى , لكى تشيد الهندسة العسكرية الكبارى لتحمل جميع الفرق العسكرية بمعداتها إلى الضفة الشرقية خلال 8ساعات فقط, ولقد كانت مكافأة البطل لواء مهندس باقى زكى يوسف بوسام الجمهورية من الطبقة الثانية من الرئيس محمد حسنى مبارك عام 1984, وتوفى البطل المرحوم باقى زكى عن عمر يناهز ال86عاما فى 23 يونيو 2018 ,أتمنى ومعى الدكتور المهندس حماد عبد الله حماد الأستاذ الجامعى إعادة اللافتة إلى نفق التسعين الجنوبى بصورة لائقة بهذا البطل العظيم.
قال يوسف إدريس عن حرب أكتوبر المجيدة:” بضربة واحدة تمت المعجزة, تحولنا من كائنات كالسائمة إلى بشر ذوى كرامة, وبضربة إرادة واحدة ردت إلينا كرامتنا, وعادت إنسانيتنا. كنا نموت بالتقسيط منذ عام 1967, نموت فى الشوارع , وفى البيوت, وفى دواخلنا, لم يكن الاحتلال فى سيناء وحدها, بل كان فى وجداننا, وكانت الضربة بمثابة عملية جراحية عاجلة للجسد المصرى له, بترت فيها أورام اليأس وكسرت فيها عظام الخوف, والآن بعد هذه الضربة إكتشفنا أننا كنا قادرين طوال الوقت على الفعل, وأننا أهملنا هذه القدرة , والخلاص لم يأت من السماء, بل جاء من عرق وكفاح وإصرار الجنود الذين عبروا القناة, والآن بعد أن عبروا, يجب أن نعبر معهم إلى المستقبل, وإلى بناء جديد لايقام على ضعف أو وهم, بل على القوة والكرامة التى استرددناها, وهذا النصر هو بداية لعملية خلاص شاملة لاتتوقف عند قناة السويس, بل تمتد إلى إصلاح الذات والمجتمع.
تعيد ذكرى نصر أكتوبر 1973 إلى الذاكرة كل عام مشاهد حية عصية على النسيان لبطولات قدمها أبطال القوات المسلحة على جبهات القتال فى معركة التحرير والكرامة بطولات لم تخل من مشاهد عظيمة من الأداء العسكرى المبدع فى البر والبحر والجو, شكلت معا إطارا جديدا للحرب التقليدية الحديثة, التى استوعبت فيها العبقرية المصرية خلال سنوات قليلة تكنولوجيا العصر ووظفتها فى خطة عسكرية خلاقة, ولقد خاضت قواتنا المسلحة يوم السادس من أكتوبر أروع الملاحم الوطنية التاريخية تلك الحرب التى انتصرنا فيها على العدو الاسرائيلى بعد أن لقنه الجيش المصرى درسا تاريخيا لن ينساه فى معركة الكرامة, وستظل معركة العبور مكتوبة بأحرف من ذهب فى سجلات التاريخ مهما مرت السنوات, وبعد مرور 52 عاما على حرب أكتوبر يؤكد أبطال النصر أن نصر أكتوبر سيبقى رمزا خالدا للعزة والكرامة, وستظل راية النصر خفاقة, لابوصفه حدثا من الماضى, بل كقوة دافعة للحاضر والمستقبل, تلهم الأجيال الجديدة معانى التضحية والفداء والانتماء للوطن, ويوم يرسخ معنى التضحية والفداء والانتماء للوطن.
لاشك أن حرب أكتوبر أكدت فى النهاية أن العلم هو السلاح الأقوى, وأن النصر لايأتى بالأسلحة فقط,بل تصنعه العقول القادرة على التفكير والتخطيط والابتكار, فقد كان فى الميدان خلف كل جندى يقاتل, جيش من العلماء والأطباء يعملون فى صمت لكن بإبداع, ليصنعوا الفارق بالعقل قبل القوة.
اليوم تستحضر حرب أكتوبر كرمز خالد للوحدة العربية, وكشاهد على أن المعارك الكبرى لاتحسم بالسلاح وحده, بل بالارادة الشعبية والتضامن, ولقد أثبتت تلك الحرب أن الشعوب حين تؤمن بعدالة قضيتها يمكنها أن تغير المعادلات مهما بدت مختلة, ولعل الرسالة الأبدية التى تركها لنا السادس من أكتوبر أن الأرض والكرامة لاتسترد إلا بالإرادة, وأن القصيدة مثل الرصاصة قادرة على أن تفتح الطريق نحو الفجر.
تحية تقدير وعرفان لكل القادة العظام الذين خططوا ونفذوا حرب أكتوبر المجيدة, وتحية عرفان يتجدد يوما بعد يوم لكل من استشهد من أبناء القوات المسلحة فى حرب 1973, وأتمنى أن نقيم نصبا تذكاريا عليه أسماؤهم ليصبح مزارا لطلبة المدارس ولشباب مصر على مر العصور يقفون ويستمعون فيه إلى بطولاتهم, وإنهم عندما ناداهم الوطن لم يبخلوا عليه بحياتهم ودمائهم الطاهرة.
” كابتن غزالى شاعر المقاومة وذاكرة الوطن” كتيب صغير أعاد لرأسى شريطا طويلا من الذكريات أيام التهجير والحنين للأرض والمقاومة الشعبية ونصر أكتوبر والسمسمية والضلمة, وأولئك الذين صبروا, وضحوا بالعرق والعمر والدم دون ضجيج أو احتفاء.
بمناسبة قرب افتتاح المتحف الجديد أقترح إنارة هرمى خوفو ومنقرع طيلة الليل, وذلك لتعلو فخامة وعظمة المكان والزمان, ولتكون استقبالا أكثر من رائع للسياح الأجانب القادمين من أنحاء العالم فى فترة الليل ويشاهدون الأهرامات مضاءة لهم, وهذا مايتم تفعيله فى كثير من الدول مثل برج إيفل فى باريس وأجزاء من سور الصين العظيم.
بوابة مصر الآن ليوم الخميس 23 أكتوبر 2025
عبد المعطى أحمد يكتب:
صيحة النصر فى أكتوبر
صيحة”الله أكبر” فى نصر أكتوبر لم تكن فقط كلمات تتردد فى ساحة القتال, بل كانت زئيرا يدوى فى أفق الوطن, فتتساقط أمامه جدران الخوف, وحصون الوهم, ويشرق فى القلوب فجر جديد, وارتفعت التكبيرة فى لحظة العبور كنبض السماء, فإذا بها تلهب القلوب, وتحيى العزائم, وتمنح كل جندى جناحين من يقين وأمل, فيندفع إلى المعركة وكأن الملائكة تسنده, وكأن الأرض تميد تحت أقدام عدوه رهبة ورعبا, وكانت الله أكبر صيحة تعلو لتقول : إن صوت الإيمان أبقى من أصوات الحرب, وإن نداء السماء أعمق أثرا من كل سلاح, لقد انطلقت التكبيرات مع أول موجة للعبور, فإذا بها تعبر الماء قبل الجنود, وتسبق الرصاص إلى حصون العدو, فتزلزل يقينه, وكانت الصيحة جسرا يربط الجبهة بالوطن كله, فما إن دوت على الضفة الشرقية حتى رددها الشعب فى الشوارع والبيوت على حد قول الدكتور غانم السعيد عميد كلية الإعلام السابق بجامعة الأزهر.
لقد ارتجف العدو من وقع تلك الكلمة أكثر مما ارتجف من وقع القذائف, إذ أدرك أن المواجهة ليست مع جيش فقط, بل مع عقيدة متجذرة, وأنه أمام أمة تقاتل بقلوبها قبل بنادقها, وكانت “الله أكبر” سلاحا نفسيا يسبق النصر العسكرى, وإشارة إلى أن المعركة ليست بين قوى أرضية متكافئة, بل بين روح سماوية وقوة طاغية, ومن كان الله معه فالنصر حليفه, ومنذ ذلك اليوم بقيت صيحة الله أكبر أمارة النصر وعلامة العزة, تستعاد فى كل ذكرى لتذكر الأجيال بأن العبور لم يكن عبورا جغرافيا فحسب, بل عبور من الهزيمة إلى الكرامة, ومن الانكسار إلى العزة, ومن اليأس إلى الرجاء, وهى الصيحة التى جمعت الماضى بالحاضر, وربطت أكتوبر ببدر واليرموك وحطين, لتقول إن النصر قدر المؤمنين إذا صدقوا العهد مع الله, وظلت عنوانا خالدا على أن الله أكبر من كل قوة, وأعظم من كل طغيان, وأن أمة ترفع راية التوحيد لايطولها انكسار.
فى أوائل عام 1972 أثناء الإعداد لحرب التحرير لاحظ الرئيس محمد أنور السادات حدوث شىء غريب وخطير, فقد كانت هناك دولة أوروبية صديقة لنا تنقل معلومات سياسية وعسكرية دقيقة عن استعداداتنا إلى الجانب الاسرائيلى, فقام الرئيس على الفور بتكليف المخابرات المصرية بالتحقق مما يحدث والسيطرة عليه, ومن هنا- كما يقول الدكتور مدحت حسن عبد العزيز المؤرخ العسكرى- بدأت عملية سرية بالغة الاثارة والتعقيد, نجح خلالها رجالنا البواسل فى التوصل إلى أن القيادات المخابراتية فى هذا البلد الأوروبى الصديق كانت تنسق مع الموساد الاسرائيلى, بل وتم التعرف على المكان الذى يعقد فيه الاجتماع بين الجانبين, والمدهش أن رجالنا نجحوا أيضا فى زرع أجهزة تصنت داخل قاعة الاجتماعات, ومنذ ذلك الوقت بدأ الرئيس السادات يتعمد ذكر معلومات مضللة أمام مسئولى تلك الدولة الأوروبية الصديقة حتى يتم إيصالها إلى الموساد, مما ساعد فى نجاح خطة الخداع الاستراتيجى قبل حرب أكتوبر 1973, وقد قام التليفزيون المصرى عام 1993 بإنتاج مسلسل عن هذه الملحمة باسم “الثعلب” بطولة الفنان الراحل نور الشريف.
قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بعد تولى إدارة شئون البلاد عقب إعادة مصر من القرصنة التى تمت عليها عقب 2011 تسجيل أسماء النخب من أبناء مصر الراحلين على أهم انجازاتها فى المحاور والطرق والكبارى والبنية الأساسية التى بدأت مصر فى إعادة الحياة لشرايين الدولة المصرية والنقلة النوعية التى انتقلت إليها مصر سواء فى جودة الحياة أو التصنيف الدولى لمصر فى مجال الطرق والكبارى والمنشآت الأساسية من كهرباء وتحلية مياه ومدن جديدة, وإضافات على المسطح الزراعى فى أرجاء المحروسة سواء المليون ونصف المليون فدان, أو مشروعات مستقبل مصر وغيرها من مشروعات تباطأنا فى البدء فى تنفيذها فى حقبات زمنية لضيق ذات اليد, وعدم القدرة على اتخاذ قرارات صعبة, واستطاعت القيادة السياسية المصرية أن تأخذها وأن تحسم الأمر بضرورة البدء فى تنمية الدولة وإعادة تخطيطها ومد شرايين جديدة فى جسم الأمة, حتى يتسن لنا أن نستدعى مستثمرين لإنشاء مدن ومصانع ومزارع وموان ومطارات وغيرها من مناطق لوجستية تمثل العنصر المهم والأساسى لجذب أى نشاط للتنمية المستدامة, ومن هنا جاءت فكرة إعطاء تلك المشروعات أسماء نخب مصر مثل محور جمال عبد الناصر, ومحور أنور السادات, ومحور محمد نجيب بالتجمع الخامس, ومحور جيهات السادات, ومحور حسب الله الكفراوى, ومحور سمير غانم وغيرهم من نخب مصرية رحلت عنا كما سمينا فى وقت سابق نفقا معبرا من أفريقيا إلى آسيا(السويس –سيناء)باسم الشهيد أحمد حمدى رجل من أبطال الهندسة العسكرية فى حرب أكتوبر, وكانت المبادرة فى هذا الزمان لتسجيل أسماء أبطالنا فى حرب أكتوبر العظيمة لتتجلى على المحاور والطرق والكبارى ولتعيش بين أبناء الأمة ذكرى غالية, ولعل هذا النسق جاء فى بلدان كثيرة من العالم مثل مطار جى إف كيندى, ومطار عبد العزيز آل سعود, ومطار بن زايد, ومدينة واشنطن العاصمة الأمريكية على إسم جورج واشنطن وغيرها من مدن ومطارات عالمية أخذت أسماء أبطال ومشاهيرهذه الدول, ولم تتخذ هذه الخطوة بتوسع فى مصر إلا فى هذه الحقبة الزمنية التى أعقبت إعادة بناء البنية التحتية المصرية الحديثة.
بلغنى أيها الملك السعيد ذو الرأى الرشيد أن الأغانى الحماسية التى كتبها شعراء العامية خلال معركة العبور, وتغنى بها الجمهور قد ظلت حتى الآن راسخة فى الوجدان, ومازالت تتردد على كل لسان, وهى توقظ الاحساس لدى الناس فيشعرون بالفخر والاعتزاز بجيشنا الذى حقق أعظم انجاز وهو مازال على استعداد ويضع يده على الزناد ويقف للأعداء بالمرصاد, ان جنودنا أولو بأس شديد, ولدينا المزيد من السلاح والعتاد, وأن شعر العامية من الأشكال الابداعية التى ترسخ هويتنا المصرية, وهو يحظى بإعجاب الشعوب العربية, ولايقل أهمية عن شعر الفصحى, ولايمكن أن يمحى لأنه وسيلة تعبير تحظى باهتمام الجماهير, ولكننا نتساءل عن الأسباب الجوهرية التى أدت إلى الغاء شعر العامية من إعلان جوائز الدولة التشجيعية لأن ذلك يثير كثيرا من التساؤلات فى هذا الوقت بالذات؟ فهل يمكن إجابة هذه الأسئلة وحل هذه المشكلة؟
طالب كثيرون أكثر من مرة بأن المتحف الكبير الذى ينتظر العالم افتتاحه الشهر المقبل من الضرورى أن يحتوى على غرفة أو ركن لكبار الأثريين المصريين والأجانب الذين قاموا بأهم الاكتشافات ومنهم أحمد كمال باشا, والدكتور محمد إبراهيم بكر, والدكتور أحمد عثمان الذى كان صاحب فكرة إنقاذ معبد فيلة وتكرمه اليونسكو سنويا, وكمال الملاخ مكتشف مراكب الشمس, والدكتور زاهى حواس, ومن غير المصريين شامبليون الذى فك طلاسم حجر رشيد وعرفنا باللغة المصرية القديمة, وهوارد كارتر مكتشف مقبرة توت عنخ آمون, وأوجست مارييت باشا مؤسس أول متحف مصرى للآثار فى بولاق وغيرهم, ولايمكن أن يكون متحفا كبيرا ولايحتفى بالأثريين والمكتشفين الذين عثروا عى هذه الكنوز وتعريف العالم والأجيال بهم, فهؤلاء خدموا علم المصريات وكانوا سببا فى تعريفنا بتاريخنا العظيم وحضارتنا التى بهرت العالم وأقل شىء أن نرد لهم الجميل.










