مقالات الرأى

د.داليا البيلي تكتب : زيارة السيسي إلى بروكسل.. خطوة استراتيجية تعيد رسم خريطة الشراكة المصرية-الأوروبية

0:00

تأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة البلجيكية بروكسل للمشاركة في قمة الاتحاد الأوروبي – مصر في توقيت بالغ الأهمية على المستويين الإقليمي والدولي، إذ تتقاطع فيها الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فالزيارة ليست مجرد حدث دبلوماسي تقليدي، بل محطة استراتيجية تؤكد عودة مصر بقوة إلى دائرة التأثير العالمي، وتعكس إدراك أوروبا المتزايد لأهمية الدور المصري في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية. كما تحمل رمزية وطنية عميقة تتجلى في تفاعل الجالية المصرية في أوروبا واعتزازها بقيادتها ووطنها الأم.

الزيارة تمثل تحولًا نوعيًا في العلاقات بين مصر والاتحاد الأوروبي، حيث تُعقد أول قمة مباشرة بين الجانبين في إطار شراكة متكاملة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة. فالقاهرة باتت اليوم جسرًا حيويًا يربط إفريقيا بالشرق الأوسط وأوروبا، وشريكًا لا يمكن تجاوزه في الملفات الإقليمية المعقدة.
اللقاءات المرتقبة بين الرئيس السيسي وقيادات الاتحاد الأوروبي وملك بلجيكا تأتي لتؤكد التزام الطرفين بتعميق الحوار حول ملفات الأمن الإقليمي، ومكافحة الإرهاب، والهجرة غير النظامية، ودعم جهود التنمية والاستقرار في الشرق الأوسط وإفريقيا. هذه التحركات السياسية ترد عمليًا على الأصوات المشككة في الدور المصري، وتُبرز أن دبلوماسية القاهرة ترتكز على الاستقلالية والفاعلية والمسؤولية الإقليمية.

على الصعيد الاقتصادي، تمثل الزيارة فرصة مهمة لفتح آفاق جديدة أمام الاستثمارات الأوروبية في مصر، ولا سيما في مجالات الطاقة النظيفة، والبنية التحتية، والتحول الرقمي، والتصنيع المستدام. وتشير البيانات الرسمية إلى أن الشق الاقتصادي يشكل محورًا رئيسًا في جدول أعمال الزيارة، حيث يُنتظر أن يطلق المنتدى المصري–الأوروبي شراكات عملية في مشروعات التنمية الخضراء. كما تُعد قضية الهجرة غير النظامية أحد الملفات المحورية، إذ أصبحت مصر نموذجًا ناجحًا في ضبط الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية دون أن تتخلى عن مسؤولياتها الإنسانية، ما جعلها شريكًا استراتيجيًا يحظى بثقة أوروبا.
وتأتي هذه الجهود امتدادًا للاتفاقية الشاملة بين مصر والاتحاد الأوروبي (مارس 2024) التي أرست إطارًا متكاملًا للتعاون في ستة محاور تشمل السياسة والاقتصاد والأمن والهجرة والتجارة ورأس المال البشري، مؤكدة أن التنمية المستدامة لا تنفصل عن الأمن والاستقرار.

ولم تخلُ الزيارة من أبعاد إنسانية وشعبية لافتة؛ فقد تميزت بزخم وطني تجسد في الحفاوة الكبيرة التي أبداها أبناء الجالية المصرية في أوروبا أثناء استقبالهم للرئيس السيسي في بروكسل. كان هذا المشهد أكثر من مجرد ترحيب رسمي، بل تعبيرًا صادقًا عن عمق الانتماء والولاء للوطن، ورسالة واضحة إلى من يحاولون تشويه صورة مصر في الخارج. فالمصريون في المهجر، كما في الداخل، يقفون على قلب رجل واحد خلف دولتهم، مدركين أن ما تحقق من إنجازات على أرض الوطن يستحق الفخر والدعم، وأن وعيهم الوطني يشكل خط الدفاع الأول ضد حملات التضليل والانقسام.

تحمل زيارة بروكسل رسائل سياسية وإعلامية متعددة الاتجاهات: فهي موجهة إلى الداخل لتأكيد الثقة في قوة الدولة ومكانتها، وموجهة إلى الخارج لتأكيد أن مصر شريك يعتمد عليه في الملفات الكبرى، دولة تبني وتقدم حلولًا واقعية بدلًا من الاكتفاء بطلب الدعم. كما أنها تُعد صفعة معنوية لمن يراهنون على عزل مصر أو إضعاف مكانتها؛ فالحفاوة الأوروبية الرسمية والترحيب الشعبي من الجالية المصرية يشكلان دليلًا قاطعًا على أن صوت الوطن أقوى من حملات التشويه، وأن مصر تمضي بثبات على طريق البناء والاستقرار.

ختامًا، فإن زيارة الرئيس السيسي إلى بروكسل ليست مجرد حدث سياسي عابر، بل لحظة تأكيد لمكانة مصر الراسخة في المعادلة الإقليمية والدولية.
إنها تعبير عن دولة تعرف قدرها، وتتحرك بثقة نحو المستقبل، وتؤمن بأن السلام والتنمية وجهان لعملة واحدة.
ومثلما وحّدت الزيارة الداخل والخارج على كلمة وطن، فقد جسّدت صورة مصر الحديثة: دولة سلام وتنمية، قوية بإرادتها، ثابتة بمواقفها، وماضية في طريقها بثقة نحو غدٍ أكثر إشراقًا.

زر الذهاب إلى الأعلى