عنف على طريقة الأفلام حين تقتل الشاشات براءة الأطفال بقلم:أنس الوجود رضوان

حادثة مأساوية هزت ضمير المجتمع؛ طفل يقتل زميله ويقطعة بمنشار ويأكل جزء من لحمه، على طريقة الأفلام التي يشاهدها عبر الإنترنت والألعاب الإلكترونية
مأساة تكشف الوجه القاتم للعصر الرقمي، حين تتحول الشاشات من وسيلة ترفيه وتعليم إلى مصدر خطر يهدد وعي الأطفال وسلوكهم
ما حدث ليس مجرد واقعة فردية، بل جرس إنذار قاسي عن خطورة ما تبثه بعض المنصات من مشاهد عنف يستهلكها الصغار يومياً دون رقابة أو توجيه فالألعاب التي تحاكي القتل والمطاردات، والأفلام التي تمجد الجريمة، أصبحت مرجعاً لتكوين خيال الطفل، فتغرس بداخله مفاهيم مغلوطة عن البطولة والقوة
تلك المواد البصرية تُربي على القسوة، وتُميت المشاعر، وتُحول اللعب إلى معركة، والتسلية إلى تجربة خطر
لم تكن هذه الظاهرة غائبة عن إهتمام المؤسسات الثقافية والإعلامية. فقد حذرنا في لجنة الإعلام بالمجلس الأعلى للثقافة، خلال أكثر من اجتماع وندوة، من خطورة ما يبثه اليوتيوب والمنصات وقنوات الأطفال من محتوى يزرع العنف ويقضي على الهوية والعادات والتقاليد
واوصت اللجنة بإطلاق قناة للأطفال مع منصة إلكترونية يبث عليها اعمالا مناسبة للطفل ،مع انتاج دراما وبرامج خاصه له ،خاصة وأن مصر تمتلك أكبر كتاب للأطفال بجانب مواهب كثيرة فى أنحاء مصر من الأطفال
وشارك في هذه الندوات خبراء الذكاء الإصطناعى، وكتاب أطفال،وأساتذة علم نفس ، ومنظمات ومجالس متخصصة بالطفولة والأمومة، كما طالبنا المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بتطبيق الكود الأخلاقي على المحتوى الذي يشاهده الطفل، مع إلزام المجالس المعنية بالطفل برفع توصياتها إلى الجهات العليا لإصدار قانون يمنح الدولة الحق في معاقبة أو حتى إغلاق المنصات التي تعرض مواد لا تتناسب مع أعمار الأطفال.
فكل دولة لها ما يخصها من تشريعات لحماية المجتمع وضمان الإستقرار، ومصر قادرة على أن تتقدم بخطوات جادة في .هذا الملف الحساس.
الأسرة هي خط الدفاع الأول. فهي القادرة على الإحتواء، وعلى تحويل الشاشات من خطر إلى وسيلة تربية وتثقيف، فالطفل لا يحتاج فقط إلى مراقبة ما يشاهد، بل إلى من يشاركه المشاهدة ويشرح له ويهديه.
ومن هنا جاءت مبادرة الدكتورة منى الحديدي “يوم بلا شاشات” لتعيد للأسرة توازنها المفقود، وتفتح مساحة للحوار بين الآباء والأبناء. فكرة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في معناها. تخصيص يوم واحد فقط،أو بعض ساعات تُغلق فيه الأجهزة، ويجلس أفراد الأسرة معاً يتحدثون، ويناقشون امورهم الحياتيه ويتعرف كلاً على ما يدور في ذهن الآخر.
إن مبادرة “يوم بلا شاشات” تُعيد الدفء الإنساني الذي سرق منا خلف الأزرار والهواتف هي دعوة لإحياء التواصل، وإستعادة دور الأسرة كحاضنة للفكر والقيم، وتنشئة أجيال تُدرك الفرق بين الخيال والواقع، بين اللعب والعنف، بين الترفيه الحقيقي والتغذية السامة للعقول.
لقد آن الأوان أن نستيقظ قبل أن نصحو على كوارث أخرى من هذا النوع. فحماية أطفالنا تبدأ من البيت، ومن وعي الأسرة فالطفل مرآة لما يشاهد
ولن تُثمر التكنولوجيا خيراً إلا إذا وضعنا لها حدوداً إنسانية تحفظ عقول الصغار وقلوبهم. هي بداية الطريق نحو استعادة الحوار المفقود، وبناء جيلٍ يعرف كيف يعيش الواقع لا أن يقلد الخيال.
فالتربية ليست كلمات تُقال، بل مواقف تُمارس… والبداية قرار شجاع من أجل عمرٍ كامل من الأمان