اللواء مروان مصطفى يكتب: بشهادة العالم لقد نجحت مصر وانقلب السحر على الساحر

لماذا أعلن ترامب خطته للسلام الآن، ولماذا لم يعلنها قبل ذلك..؟ هي خطة قديمة جديدة رفضوها في السابق ويوافقون عليها الآن .. ؟ ولماذا نالت مصر وحدها شرف دعوة وانعقاد هذا الحدث التاريخي .. ؟ ولماذا أسرع ترامب وقبل دعوة الرئيس السيسي للحضور لشرم الشيخ وهو الذي اعتذر عن زيارة البيت الأبيض ..؟ ولماذا دعت مصر كبار زعماء العالم رغم ان الكثيرين منهم شاركوا كثيراً في محاولات لتحجيم دور مصر وعزلها عربياً ودولياً ..؟ كلها اسئلة دارت في الاذهان .
وقبل ان نحاول الاجابة .. دعونا نتفق اولاً على بعض الامور.. لقد فشلت اسرائيل في القضاء على حماس ، وفشل جيشها وأجهزتها الأمنية في تحرير اي من رهائنهم الا بعد التفاوض مع حماس ، كما فشلت علي في تنفيذ خطة التهجير على مدار عامين كاملين ، وتجنب جيشها التورط في مواجهة الجيش المصري .. ولكي يعوض نتنياهو هذا الفشل وليحفظ ماء وجه .. قام بتدمير غزة بالكامل ، وحاصرها واباد شعبها الاعزل ، وجوع وشتت من تبقي منهم … وعلى الجانب الآخر علينا ان نتفق علي ان اسرائيل قد عوضت فشلها هذا بنجاحات عديدة اخري ..فهي نجحت في اختراق حزب الله وتكسير عظامه ،وتمركزت في مناطق مختلفة بجنوب لبنان .. كما نجحت في القضاء على حكم الاسد ودمرت جيشه تماماً ، واحتلت جنوب سوريا ، ونزعت سلاحه ، وضمت بعض محافظاته.. ونجحت ايضا في ضرب إيران بعد اختراقها واغتيال اغلب قادتها وعلمائها . واشركت امريكا في قصف كل منشأتها النووية.. وقامت بعملية مجنونه لاغتيال قيادات حماس في قطر وأفشلتها المخابرات المصرية التي حذرتهم منها .
تلك الامور والنجاحات كلها زادت من غرور نتنياهو واطماعه التوسعية فقرر ان يتوج هذه النجاحات باحتلال غزة وتهجير سكانها لكي يهديها بعد ذلك لترامب نظير عدم ممانعته لضم الضفة الغربية لإسرائيل .. وهو ما خشي منه قيادات جيشه واعترضوا عليه خوفاً من التورط في مواجهة مع الجيش المصري.. لكنه مع حكومته المتطرفة قرروا تعديل خطة التهجير بالقوة العسكرية ” عربات جدعون ” واستبدلوها وطوروها بخطة اخري لتجنب المواجهة العسكرية مع مصر.. عن طريق دفع سكان غزة الي مناطق آمنة ضيقة علي الحدود المصرية وحشرهم وحصارهم فيها ومنع دخول اي مساعدات غذائية او طبيه لهم وانشاء اسوار خلفهم لتمنع عودتهم لغزة .. وتركهم في العراء علي ابواب الأسوار المصرية لإلقاء العبء والمسئولية الدولية والإنسانية علي مصر دون أي اقتراب او تدخل من الجيش الاسرائيلي .. وجرت الخطة علي ما يرام وتمكنوا من حشد أكثر من مليون ونصف فلسطيني بالقرب من الحدود ، وتبقي تقريباً نصف مليون آخرين يتم دفعهم .. وكان ذلك في ظل حماية امريكية كاملة ، وفيتو ، ودعم لوجيستي غير محدود .
ولكن لحسن الحظ تغير الامر وتبدل تماماً .. بعد الهجوم علي قطر والغضب الدولي الذي اعقبه .. وتغير أكثر بعد اشتداد التظاهرات الشعبية في كثير من دول العالم والتي انتقدت ترامب واتهمته بالاشتراك في المجازر الدموية والجرائم الإنسانية التي ترتكبها اسرائيل .. وازداد الحرج أكثر وأكثر بعدما قررت دول اوروبا توقيع عقوبات علي اسرائيل وخصوصاً لما شعرت بالقلق من قيام الرئيس السيسي بتحذيرها من ان محاولات التهجير سوف تؤدي بالقطع لتفاقم مشكله اللاجئين وزيادة اعداد لجوئهم لأوروبا .
وعندئذ شعر ترامب بأن الوقت قد حان للتدخل السريع للسيطرة علي تصرفات نتنياهو المجنونة ..والتي بدأت تتعارض مع مصالح امريكا العليا في المنطقة.. وخاصة بعدما اهتزت ثقة الدول الخليجية في الوعود وضمانات الحماية التي قدمها ترامب لهم وحصل علي مقابلها .. بالإضافة الي الاساءة لشخصه ، ولصورته أمام العالم كمرشح منتظر لجائزة نوبل للسلام.. وتأكد من عزلة اسرائيل دولياً عندما شاهد مغادرة اغلب وفود العالم للقاعة عند بدء نتنياهو لخطابه في الأمم المتحدة .
حينئذ تيقن ترامب ان الوقت قد حان لحماية المصالح الأمريكية ولإنقاذ صورته، ولاعادة الثقة الخليجية ، ولإنقاذ اسرائيل من الفشل ، وحماية مستقبلها ، واخراجها من عزلتها الدولية .. قرر تقديم مبادرة معدلة تتضمن خطوطها الأساسية ( وقف الحرب ،وتسليم الرهائن في مرحله اولي بصورة فوريه ،ومنع تهجير الفلسطينيين من غزة أو من الضفة ) .. وفي مراحل تالية تقوم الدول العربية والإسلامية بالضغط على حماس لانسحابها من غزة وتسليم اسلحتها ( بدلا من قيام اسرائيل بذلك ) .. وعلي ان يتم تشكيل لجنة دوليه لإدارة امور القطاع واعادة الاعمار دون خروج اهل غزة .. الي ان يحين الاتفاق علي قيام السلطة الشرعية الفلسطينية مقدرات الاموروهي عبارة عن بنود مطاطة وفضفاضة ، بدون جداول زمنية .. ويعلم الله وحده مدي امكانية تحقيقها أو الالتزام بها.
وهنا انقلب السحر علي الساحر ..وتم اجبار نتنياهو علي الموافقة عليها .. بعد ان وعده ترامب ببذل جهوده لإصدار عفو شامل لإنقاذه من محاكمته المنتظرة .. كما وافقت حماس بعد مقابلة سرية مباشرة بين (خليل الحية مع ويتكوف) حصل خلالها على ضمانات بإيقاف الحرب والخروج الآمن ، وعدم تجميد الارصدة ، وسمحوا لحماس باستمرار التواجد في غزة لتصفية ومعاقبة من خانوها وتعاونوا ضدها ، علي ان تقوم بتسليم سلاحها بعد ذلك .
ولما كانت مصر هي الدولة التي تمسك بزمام الأمور ..فقد سارعت بذكاء شديد، وبحنكه بالغة لاستثمار الحدث وتوثيقه لتوقيع اتفاق للسلام يؤكد الموقف الامريكي ويوثقه بحضور كبار زعماء العالم ليكونوا شهوداً على ذلك .
وكانت المفاجأة بحضور ترامب للتوقيع وليشارك الرئيس السيسي هذا الحدث التاريخي .. وتنازل وتغاضي عن سابقة رفضه لزيارة البيت الأبيض .. ورغم انه الوحيد الذي تصدي بقوة للتهجير، ورغم انه لم يخضع مثل غيره للتهديد أو الابتزاز .. وشهد العالم كله الرئيس ترامب وهو يشكره ويشيد به ، وبعلاقته الوثيقة معه .. كما شكر مصر علي جهودها لإحلال السلام .. وفي رسالة ذات مغزى تحدث عن قوة مصر واستقرارها والامن والامان الذي يتمتع به شعبها وهو ما يتمني حدوثه في امريكا ..وقال بالنص ” لن تصدقوا مدي قوتهم ..انهم أقوياء جداً “.
..وفي حقيقة الأمر انها لم تكن مجرد لفتة للشكر أو للمجاملة .. بل كانت رسالة مباشرة قوية ومقصودة من رئيس أقوى دولة.. لها مغزاها لمن يستوعبها ويفهمها .
رعي الله مصر ، ونصر جندها ، وحفظ ارضها ، وأعز شعبها
.. انه نعم المولي ونعم النصير
لواء / مروان مصطفى المدير الأسبق للمكتب العربي للإعلام الامني بمجلس وزراء الداخليه العرب










