مقالات الرأى

مدحت سليمان يكتب : “صفعة أم انتحار استراتيجي؟ نظرة عقلانية لما حدث بين إيران وإسرائيل”

0:00

في خضم التفاعل العربي مع الضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، يظهر على السطح صوت مرتفع يهلل لإيران وكأنها أسقطت الكيان المحتل بضربة واحدة. لكن، دعونا نعود خطوة للخلف، ونطرح سؤالًا بسيطًا: من الرابح حقًا؟ ومن الذي دفع الثمن الأكبر؟

نعم، إيران أطلقت صواريخ. نعم، إسرائيل تلقت الضربة. لكن هل هذه هي الصورة الكاملة؟
الحقيقة أن إسرائيل، كعادتها، لم تبدأ حربًا دون أن تُجري حسابات دقيقة للخسائر المحتملة. كما يفعل أي محاسب في شركة كبرى، إسرائيل قبل أي هجوم، تضع على الطاولة: كم سنخسر؟ وماذا سنربح؟

وها نحن نرى نتائج هذه الحسابات: قادة كبار في الحرس الثوري تم تصفيتهم، علماء في البرنامج النووي الإيراني أُخرجوا من المعادلة، منشآت حيوية شُلت، وداخل إيران نفسها لم يعد هناك يقين حتى في القيادة، بعد اغتيال الرئيس ورئيس القضاء في حادث لا يزال غامضًا حتى اللحظة.

المقارنة هنا ليست بين رد ورد مضاد، بل بين ضربة استراتيجية إسرائيلية غيرت ملامح القوة داخل إيران، وبين رد عاطفي، استعراضي، أرادت به طهران حفظ ماء الوجه أمام الداخل والخارج.

إنها ليست مجرد “زعل” أصاب إسرائيل، بل موجة ارتباك إعلامي وأمني لا تقارن بجراح إيران المفتوحة.
ولنسأل ببساطة:
لو استمرت إيران في قصف العمق الإسرائيلي ستة أشهر متواصلة، هل ستستطيع أن تُعيد عالمًا نوويًا واحدًا؟ أو تُحيي قادة فقدوا خلال دقائق؟
هل تستطيع أن تمحو آثار اختراق أمني استمر لسنوات دون أن تدري؟

البعض يريد أن يصور الضربة الإسرائيلية على أنها “عرض عضلات”، لكن الحقيقة أنها أقرب إلى ما فعله اليابانيون في “بيرل هاربور”، حين وجهوا ضربة لأمريكا، فكانت النتيجة القنبلة النووية.
هل يعي من يُطبل لإيران أن إسرائيل ضربت “بيرل هاربور” إيران، وأن الردع القادم قد لا يُبقي ولا يذر؟

لسنا في صف إسرائيل، ولن نكون. لا عربي عاقل يمكن أن يدعم كيانًا احتلاليًا قام على الدم والخداع.
لكن أن نغطي الشمس بالغربال، وأن نُسكت عقولنا لنُرضي انفعالاتنا، فهذا خداع للذات قبل أن يكون خداعًا للجمهور.

المعركة ليست في أن تضرب المطار الفلاني أو الثكنة العلانية، بل في القدرة على منع العدو من التوغل داخل بيتك، وأن تحمي علمائك وقادتك ونظامك السياسي من أن يصبحوا أهدافًا سهلة.

من حق الشعوب أن تفرح حين يُصاب العدو، لكن من الحكمة أن تتوقف وتفكر:
ما هو الثمن؟ ومن يدفعه؟

زر الذهاب إلى الأعلى