مقالات الرأى

د.أماني فاروق تكتب: حين يتكلم الإعلام بلغة الحرب

0:00

تأخرتُ اليوم في كتابة مقالي المعتاد… تأخرت لأنني لم أستطع أن أكتب عن الإعلام والدراما والمجتمع، كما اعتدت كل جمعة. شيء ما في داخلي جعلني أصمت. ربما لأن الحرب حين تطرق الأبواب، لا تترك للحديث مساحة، بل تحتلها بصخبها، بأسئلتها، بأثرها العميق على العقل والروح.
منذ أن دوّى صوت الضربة الإسرائيلية على إيران، وجدت نفسي لا أتحرك نحو الكتابة، بل نحو المراقبة. جلست أتابع الأخبار من شاشات مختلفة، لا كمشاهدة عابرة، بل كمحاضرة فى مجال الإعلام السياسي تسأل نفسها: كيف يُسهم الإعلام في إشعال نار الحرب أو ربما في تهدئتها؟ كيف تنقل كل وسيلة إعلامية هذه الحرب بلون مختلف، وصوت مختلف، بل وحقيقة مختلفة؟
الإعلام الإسرائيلي لم يُفاجئنا. منذ اللحظة الأولى، استعان بخطاب استباقي يبرر العدوان على أنه “ضربة وقائية”، مستخدمًا مفردات تعبوية تُخيف الداخل وتُرضي الخارج. وكان واضحًا أن الرسالة ليست موجهة للإيرانيين فقط، بل للعالم أجمع، لتبرير ما لا يمكن تبريره.
أما الإعلام الأمريكي، فكان بين متواطئ بالصمت، ومتورط بالكلمة. بعض القنوات الكبرى حاولت أن ترسم صورة “المراقب المحايد”، لكنها لم تكن كذلك. فالتحليل دائمًا ما كان يُبنى على فرضيات سياسية تُرجّح رواية دون أخرى، وتُحمّل طرفًا كامل المسؤولية، بينما تُغفل المعاناة الإنسانية التي لا تحمل جنسية.
الإعلام الإيراني، في المقابل، خرج بخطاب تعبوي داخلي، يربط بين هذه الضربة و”الكرامة الوطنية”، ويستحضر رموز المقاومة وتاريخ الصراع مع الكيان الإسرائيلي. استدعى مشاعر الغضب والتحدي، وأعاد تقديم إيران في صورة الدولة القادرة على الرد، والمستعدة لدفع الثمن مهما كان.
وعلى الضفة الأخرى، ظهر الإعلام الدولي مترددًا. كثير من القنوات الأوروبية والعالمية سعت لتقديم تحليل “محايد”، لكنه كان محكومًا بمنظور غربي للمنطقة، يفهم الصراع من زاوية الأمن الإسرائيلي والمصالح الأمريكية، لا من زاوية الإنسان العربي أو الإيراني الذي يدفع الثمن.
هذه الحرب، مثل كل الحروب، لم تكن فقط بالأسلحة، بل بالكلمات. لم تكن فقط على الأرض، بل في السماء وعلى الشاشات. الإعلام هنا لم يكن مرآة للواقع، بل مشاركًا في تشكيله، وصانعًا لروايات تبقى طويلاً في ذاكرة الشعوب، بل ربما تبقى أطول من الحرب نفسها.
إننا في زمن لم تعد فيه الحقيقة كما هي، بل كما تُعرض. لم يعد المراسل مجرد ناقل للحدث، بل قد يكون جزءًا من معادلته. وهنا، تكمن خطورة الإعلام في زمن النزاع: أن يتحول من ناقلٍ للواقع إلى صانعٍ له، من شاهد إلى طرف.
في هذا المشهد المشتعل، يبقى الإعلام هو السلاح الأخطر… لا لأنه يقتل، بل لأنه يُبرر القتل. لا لأنه يُطلق النار، بل لأنه يُشعل العقول. وبينما يصمت السلاح أحيانًا، لا تصمت الكاميرا. وفي خضمّ كل هذا، يظل السؤال الأهم: هل سنصنع من إعلامنا العربي جدارًا للوعي، أم سنتركه رهينة لعدسات الآخر… تُصوّرنا كما يشاء، وتُعيد رسمنا بما لا نشبه؟
—–
مدرس الاعلام السياسي والراي العام

زر الذهاب إلى الأعلى