مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: أنا وعم لطفي

0:00

قديمًا كان الصنايعي الشاطر هو من ( إيديه تتلف في حرير) كما اعتاد المصريون أن يصفوه ، نظرا لقدرة هاتين اليدين على إصلاح الأعطال و الإبداع في حرفته مجاله أو إنجاز ما يمكن في وقت قصير ، فهو صاحب مهارة وفريد من نوعه لدرجة تستلزم معها لفّ يديه في أغلى وأرق وأنعم أنواع الأقمشة وقتها و هو الحرير .

ولعل مهارة المصري لا تحتاج إلى شهادة ، لأن التاريخ حفظها في كل تفصيلة تركها أجدادنا المصريون القدماء ، أو رصدتها العين في شوارع مصر القديمة بمعمارها ، أو لازمت الذاكرة إذا ما تجولنا في القاهرة الإسماعيلية ، تلك البقعة التي تحوي رُوحاً لحاضرة فاقت في جمالها عواصم ومدنًا أوروبية وقتها .

مصر صنيعة المصريين بلا شك ، ولكن ماذا حدث ؟!! ماذا حدث للمهارة والحرفية المصرية؟ صناعات تندثر ومهن تتدهور ، وحرف يدوية تلفظ أنفاسها الأخيرة ، وهنا سأحكي لكم قصصًا من يومياتي كانت السبب الرئيسي لوصلة الندب التي بدأتها في مقالي على حال مهارة الحرفيين في مصر ، أولها وأشقها على نفسي استغاثة عم لطفي (الرفّه)الذي لا يفتأ عند رؤيتي من ذكر أهمية مهنة الرفّه وضرورة تعليمها للجيل الأصغر سنًا وكيف كان في شبابه ينقذ مصانع الغزل والنسيج من خسارة أثواب كاملة من القماش بسبب انفلات أحد خيوطها ، ورغم تلقيه نفس الرد مني كل مرة ، وهو إثارة الموضوع للنقاش مع أحد المسئولين – وهو إن حدث أو لم يحدث فالنتيجة لن تختلف كثيرًا- مازال يخجلني بضميره الحي وخوفه على اندثار مهنته القريبة إلى قلبه .

أما القصة الأخرى فهي في مجال بعيد عن الأقمشة وإصلاحها ، فهي قصتي مع السباكين ، وهنا قد يتساءل القاريء لماذا قلت مع السباكين وليس السباك؟! والرد لأن السباك من الشخصيات ذات الحيثية في الوقت الراهن يجب أن تتصل به عشرات المرات لتحدد موعدًا ، وحال رده في الغالب يكون جدوله مشغول ، فتضطر للبحث عن آخر ، هذا تفسير .

التفسير الآخر لجمع تلك المفردة ، أن زيارة السباك لمنزلك في الغالب يستتبعها زيارات لسباكين آخرين، لإصلاح ما أفسده كل واحد في نظامك للصرف الصحي ، لتكتشف أن حلول الأرض قد انتهت ويجب أن ننتظر حلول السماء .

وفي لحظة صفاء مع أحد هؤلاء الدكاترة السباكين سألته : لماذا تحتاج ( الشغلانة) البسيطة لأكثر من زيارة؟ ، فأجابني -منحيًا نفسه جانبًا – السبب هو قلة الذمة (اليومين دول) ، فالسباك دوما يترك وراءه ذيول للمهمة حتى يعود مرة أخرى في القريب العاجل لإصلاح ما أفسده بمزاجه .

عند هذا الحد تنتهي بعض قصصي مع الحرفيين في بلدي ، حيث انطوت بعضها على ضمير حي وحب أصيل للمهنة وأقصد هنا ( عم لطفي ) ومَن على شاكلته، وبعضها الآخر هدفه ومبتغاه جني المال ولو بالزور والغش المتعمد .

زر الذهاب إلى الأعلى