مقالات الرأى

عبد المعطى أحمد يكتب:3 سيناريوهات للنظام العالمى المقبل

0:00

بعد عقود من قيادة العالم بشكل أحادى, نشهد اليوم تراجعا نسبيا فى الدور الأمريكى, أمريكا لم تعد القوة العظمى الوحيدة القادرة على فرض قواعد اللعبة الدولية, فهناك اليوم فواعل دولية أخرى مثل الصين, التى أصبحت لاعبا أساسيا وقوة اقتصادية وتكنولوجية وعسكرية قادرة على طرح نموذج بديل للنظام الليبرالى الغربى, وهناك أيضا روسيا والهند والبرازيل وتركيا وإيران, وجميعها تسعى إلى تعزيز مواقعها فى الساحة الدولية.
نعم ثمة مخاض نظام عالمى جديد يحدث الآن, وربما قد يستغرق سنوات إضافية قبل أن تكتمل ملامحه التى تبقى مرهونة بعوامل متوقعة(صعود قوى جديدة مقابل تراجع قوى تقليدية), وعوامل أخرى غير متوقعة(مثل الحروب والثورات التكنولوجية والكوارث), وفى جميع الحالات, وتحسبا لكل التغيرات وتطور التوازنات الدولية يمكن القول إن العالم مقبل على ثلاثة سيناريوهات:
أولا: قيام نظام عالى متعدد الأقطاب تقوم فيه عدة قوى رئيسية(الولايات المتحدة الأمريكية, والصين, وروسيا, والاتحاد الأوروبى, وربما الهند وتركيا) بلعب أدوار متوازنة ومتقاطعة دون وجود قطب واحد مهيمن, وهذا السيناريو يمكن أن يعيد بعض الاستقرار للكوكب, ويقود إلى نظم قيم بديلة عن الديمقراطية الليبرالية, لكنه سيؤدى إلى تعزيز منطق التوازنات بدل المبادىء مما يضعف أكثر من فاعلية القانون الدولى.
ثانيا: دخول العالم فى حالة فوضى استراتيجية بسبب تعدد الصراعات المتزامنة, سواء كانت اقتصادية أو عسكرية أو معلوماتية (استمرار الحرب فى أوكرانيا, وتصاعد المواجهة بين الصين وأمريكا, وانفجار الوضع فى الشرق الأوسط..الخ), مع انهيار شبه كامل للنظام الدولى, وعدم وجود قوة قادرة على ضبط الأمور, هذا السيناريو سيقود إلى مزيد من الاضطرابات فى الاقتصاد العالمى, وازدياد معدلات الفقر والمجاعة والهجرة والارهاب, وانهيار عدد من الدول الهشة.
ثالثا:إعادة ترميم النظام اللبرالى العالمى من خلال إجراء إصلاحات جوهرية فى النظام الدولى, تستوعب القوى الجديدة وتعيد الثقة فى القانون الدولى, وإصلاح مجلس الأمن ومؤسسات الأمم المتحدة, وخلق نظام اقتصادى عالمى أكثر عدالة, وهذا السيناريو يبقى صعبا ويحتاج إلى إرادة دولية ترغب فعلا فى الإصلاح, وهو مالايتوافر حاليا.
ينسى الكثيرون هذه الأيام أو يتناسون عن عمد متعمد أن مصر دولة عظيمة وكبيرة, ولها من المكانة والسمعة والتقدير فى المجتمع الدولى مالها, ولأنها دولة عظيمة-غصبا عن أعين هؤلاء- فإن لها أدوارا إقليمية ودولية ينبغى عليها أن تنهض بها, وإلا فإنها تكون قد قصرت فى حق نفسها وتاريخها وشعبها, بل وفى حق أمنها القومى ذاته, ونحن نسمع أحيانا من يقول:مالنا نحن ومال غزة أو السودان أو ليبيا, أو ماشأننا نحن بالأزمة السورية أو أزمات العراق واليمن وغيرها؟ ولكل قصيرى النظر والرؤية نقول لهم: مصر لايمكنها أبدا أن تنغلق على نفسها, فهذا قدرها وذاك نصيبها, وهى ليست فى الدنيا مجرد دولة”كمالة عدد”, ولاهى دولة صغيرة لاوزن لها, فالبعض من هؤلاء يحسبون الحسبة وكأننا إزاء محل بقالة, أو ندير عربة فول على قارعة الطريق بمنطق : “هانكسب النهاردة كام ياأولاد) لا إن الحسبة ليست بهذا الاستسهال أو الاختزال, وحتى لو فكرنا فى الانغلاق و”التعشيش”, متكومين حول أنفسنا كمجموعة من صغار الدجاج فى ليلة شتوية باردة, فلن يسمح لنا المحيطون بنا, وسوف يجرونا جرا إلى مشكلاتهم وأزماتهم وقضاياهم, فنحن منهم وهم منا, وللشاعر التونسى الراحل الفذأبى القاسم الشابى بيت فى قصيدته الشهيرة” إذا الشعب يوما أراد الحياة” قال فيه:ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر, فلماذا تريدون لمصر صانعة الأمجاد والحضارات حبيبة الزمن أن تعيش بين الحفر؟
هل يمكن أن يتم مستقبلا عمل مفيض فى الجبل الغربى عند قاع حوض بحيرة السد العالى يتم توصيله بمنخفض توشكا لسحب الطمى المتراكم بالبحيرة إلى قناة لربط الواحات حتى منخفض القطارة ؟
يقترب الرئيس الأمريكى ترامب من تحقيق حلمه الذى راوده منذ ولايته الأولى فى أن يقيم عرضا عسكريا ضخما يكون الأعظم الذى تشهده بلاده يوم 14 يونيو الذى يصادف هذا العام الذكرى ال250 لتأسيس الجيش الأمريكى وأيضا يوم ميلاده ال79, وقد راودته الفكرة فى 2017 فى ولايته الأولى, حين دعاه الرئيس الفرنسى لحضور العرض العسكرى المبهر فى اليوم الوطنى الفرنسى, لكن ارتفاع الكلفة دفعه للتراجع عن الفكرة, هذه المرة يبدو ترامب مصمما ويرد على انتقادات التكلفه بقوله: إنها لاتمثل شيئا إذا ماقورنت بقيمتها وفائدتها, ويتضمن البرنامج العديد من الفعاليات منها عرض عسكرى ضخم, بمشاركة أكثر من 6500 عسكرى, وأليات مدرعة, ودبابات تخترق طرقات العاصمة, ومروحيات وعروض موسيقية ورياضية, وألعاب نارية وغيرها, وتثير الخطوة انتقادات الديمقراطيين, ودعا المنتقدون لتنظيم مظاهرة مضادة يومها, حيث يرون أن هذه الاحتفالية إهانة للشعب الأمريكى, فالذى يجعل أمريكا عظيمة هم الأمريكيون سواء من ولدوا بها أو هاجروا إليها, وليس المليارديرات والقوة العسكرية التى تفرض هيمنتها على بقية العالم, وعمدة واشنطن ميريل باوزرحذرت من أن شوارع المدينة ليست مؤهلة لسير المركبات الثقيلة والدبابات, مما يعرض بنيتها للأضرار, وآخرون لايروق لهم خطة ترامب, فهى تعبر عن منطق ملك حاكم يحتفى بملكه, ويتعارض ومساعيه لترشيد الانفاق الحكومى الذى أسس من أجله هيئة الكفاءة الحكومية وعين إيلون ماسك رئيسا لها, وقامت بتسريح الآلاف, وإغلاق هيئات ووقف معونات ومساهمات مالية لمنظمات دولية وإنسانية, وبالتأكيد العروض العسكرية تبهر وتؤثر, لكنها ليست الفيصل فى تقييم مكانة الدول.
الوفاء مرض عضال لم يعد يصيب على أيامنا إلا الكلاب, ومن لأفضل أن يكون أمامك أسد مفترس على أن يكون وراءك كلب خائن, وعندما تفكر فى الخيانة أذكر وفاء الكلب للإنسان, وفى الصين القديمة كان الاعتقاد السائد أن الكلاب هبه من السماء, وكانت دماؤها تعتبر مقدسة لدرجة أنها كانت تستخدم فى ختم الإمان وقسم الولاء.
الود نعمة, والتواصل والاطمئنان على أحوال الأحبة رحمة, قد نقصر قليلا وقد يلهينا الزمن, ولكن يبقى نبض القلب لاينسى الأحبة.
القوة هى أن تدوس وجعك تحت قدمك وتمشى مبتسما أمام كل من ينتظر سقوطك.
المتسامحون أسعد الناس قلوبا, عرفوا قيمة الدنيا فلم يبالوا بأخطاء البشر!

زر الذهاب إلى الأعلى