مقالات الرأى

مايسة السلكاوى تكتب – (من السيرة النبوية) الغزوات والسرايا 3 / 4

0:00

دائما ما كان اليهود أصحاب الدسائس والمؤامرات ولم يكونوا من أصحاب الحرب والقتال ، لما كان بينهم وبين المسلمين من عهود ومواثيق ، وكانوا يجاهرون بالحقد والعداوة للإسلام والمسلمين ، ويعملوا جاهدين لإيذائهم ، وبعد موقعة بنو قينقاع وقتل كعب بن الأشرف خافوا والتزموا الصمت ، ولكنهم بعد موقعة أحد عادوا لأساليب الغدر والعداوة واتصلوا بالمشركين والمنافقين للإيقاع بالمسلمين .
صبر عليهم رسول الله صل الله عليه وسلم ، لكنهم ازدادوا جرأه بعد وقعة الرجيع وبئر معونة حيث قاموا بمؤامرة للقضاء على النبى ، وذلك حين ذهب النبى إلى بنى النضير ومعه عددا من الصحابة ليستعينهم فى دية رجلين قتلهما عمرو بن النضيرى من بنى عامر ، فقالوا للنبى نفعل يا أبا القاسم فاجلس هنا حتى نقضى حاجتك ، فجلس النبى إلى جانب جدار من بيوتهم ومعه أبو بكر وعمر وعلى وبعض الصحابة ، وخلا اليهود ببعضهم فتآمروا على قتله بأن يلقى عمرو بن جحاش بصخرة على النبى ، فنزل جبريل على الرسول يعلمه بما سيحدث فنهض مسرعا وتوجه إلى المدينة ولحق به الصحابة واخبرهم عما كان سيفعله اليهود .
وكانت هذه الواقعة السبب فى “غزوة بنى النضير” فى السنة الرابعة للهجرة ، فأمر رسول الله صل الله عليه وسلم بالإستعداد لحربهم والمسير إليهم ، فتحصنوا فحاصرهم المسلمين عشرون يوما ، وأمر الرسول بقطع واحراق النخيل فنادوه أن يا محمد قد كنت تنهى عن الفساد فى الأرض وتعيبه على من يصنعه فما بال قطع النخيل وتحريقها ؟ وكادوا يستسلموا فوعدهم الخزرج بمساعدتهم ولكنهم تراجعوا
وبعد أن خزلهم الخزرج وتخلوا عنهم ، طلبوا من الرسول أن يجليهم ويكف عن دمائهم فوافق على أن يخرجوا بأنفسهم فحملوا ما استطاعوا من أموالهم إلا السلاح وكانوا يهدمون بيوتهم ويحملونها على ظهر البعير فخرجوا إلى خيبر ومنهم من سار إلى الشام واسلم منهم رجلان فقط ووزعت أراضيهم وديارهم على المهاجرين الأولين . وقد أنزل الله تعالى معظم سورة الحشر فى شأن بنى النضير .
وفى شهر شعبان بالسنة الخامسة للهجرة كانت “غزوة بنى المصطلق” ، فعلى الرغم من انها لم تكن كبيرة من الناحية العسكرية ، إلا أن فيها افتضح المنافقون ، كما حدثت حادثة الإفك بعد انتهاء الغزوة وعودة المسلمين إلى المدينة .
وكان سبب الغزوة أن رسول الله صل الله عليه وسلم بلغه أن الحارث بن أبى ضرار سيد بنى المصطلق ومعه عدد من العرب يريدون مهاجمة المدينة ، وتأكد الرسول من ذلك من خلال بريدة بن الحصيب الأسلمى ، فخرج النبى ومعه ألف رجل من المسلمين ووصل إلى “المريسيع” ومعه السيدة عائشة ، وعندما علم بنو المصطلق بذلك هرب معظمهم وتهيأ الحارث للحرب وترامى الطرفان بالنبل لمدة ساعة ثم هجم المسلمون عليهم وقتلوا عشرة وأسروا الباقين واستشهد مسلم واحد وغنم المسلمون 2000 بعير و5000 شاه ، وكان من الأسرى برية بنت الحارث سيد بنى المصطلق ومعها 200 أسيرة ، وقد تزوج الرسول عليه الصلاة والسلام منها وسماها “جويرية” وبسبب تلك المصاهرة فك المسلمون أسراهم من قومها وقد أسلموا جميعا ، وكان الغرض من زواج الرسول منها الطمع فى إسلام قومها وقد تحقق ذلك وأصبحوا قوة تنشر الإسلام وتدافع عنه وتحميه .
استغل المنافقون هذه الغزوة للإيقاع بين صفوف المسلمين فقد قال عبد الله بن أبي : ( لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ) مستنكرا النزاع بين الأوس والخزرج وأن المسلمين من أتوا إلى المدينة ونازعوهم فى المعيشة ، وعندما علم أهل المدينة قالوا ” إنه هو الذليل .
كما كان افتراء المنافقون على السيدة عائشة فى حادثة الإفك بعد عودة المسلمين إلى المدينة بعد الغزوة ، و عودة السيدة عائشة فى ركب الصحابى صفوان بن المعطل واستغل عبد الله بن أبي ما حدث وأخذ ينشر ما رآه ويزيد عليه مما أثر على بعض المسلمين فأخذوا يرددون ما يسمعون من شكهم بعودة السيدة عائشة مع صفوان بن المعطل رضى الله عنه .
تعد سرية عبد الرحمن بن عوف فى السنة السادسة للهجرة ،من السرايا المهمة لأنها توجهت إلى أبعد مدى وصلت إليه جيوش المسلمين فى تلك الفترة ، حيث توجهت إلى دومة الجندل على حدود الشام على مسافة 51 يوما من المدينة أى نحو 56 كيلومترا وتبعد عن الشام خمس ليال ..
دعا رسول الله صل الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف فقال له ” تجهز فإنى باعثك فى سرية من يومك هذا إن شاءالله ،ثم أمره أن يسير من الليل إلى دومة الجندل فيدعوهم إلى الإسلام ، فاقعده الرسول بين يديه والبسه عمامته بيده ثم عممه بعمامة سوداء ثم قال رسول الله صل الله عليه وسلم ( اعز باسم الله وفى سبيل الله ، فقاتل من كفر بالله ،لا تغل ،ولا تغدر ،ولا تقتل وليدا ) وكان قد سبقه إلى دومة الجندل 700 من الصحابة .
فخرج عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل ودعاهم إلى الإسلام ومكث بها ثلاثة أيام ، فأسلم الصبع بن عمرو الكلبى وكان نصرانيا وهو رئيسهم وأسلم معه كثيرون من قومه وعلى القائمين على دينهم فقرر لهم إعطاء الجزية ، وتزوج عبد الرحمن بن عوف تماضر بنت الاصبغ وقدم بها إلى المدينة وهى أم أبى سلمه بن عبد الرحمن بن عوف .

زر الذهاب إلى الأعلى