صفوت عباس يكتب : ( “الفتنه الكبري” مستمرة )

الحديث عن التاريخ يستدعي الخلاف ذلك لان التاريخ اما لم يكتب بأمانه او لم ينقل بامانه او لم يفسر بأمانه والاخيره هي الاهم لانها قيد الحاضر فلا مجال لكتابه جديده لما مضي وقد غاب شاهده، لكنه التفسير الذي يوافق هوي النفس او المذهب او السياسه فيصنع من التاريخ الواحد تواريخ توافق اختلاف الهوي والمذهب والرؤي والتصرف السياسي .
.. وعندنا غير المتخصصين بالتاريخ نروي مشاهداتنا فلا طاقه لنا الا بالوصف وليس التقرير او حتي التحقيق ذلك لان ادوات او قدرات تحقيق التاريخ وتمحيصه غير موجوده.
علي شاشه احدي القنوات الفضائيه العربيه يعرض الان مسلسل “معاويه ” بن ابي سفيان احد صحابه رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد كتاب الوحي واحد دهاه العرب في السياسه للحد الذي يتداول الناس الحديث عن شعره معاويه كمثال لحرفيه عاليه في اداره الناس وسياستهم، كما ان معاويه هو مؤسس الدوله الامويه اول نظام بخلافه ملكيه بعد انتهاء الخلافه الراشده بعد مقتل علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.
وعلي صدي المسلسل ربط الناس بين اسم معاويه بن ابي سفيان وبدايه مرحله (الفتنه الكبري) في التاريخ الاسلامي والتي بدأت تحديدا باغتيال الخليفه الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه اثر خلاف واتهام من معارضيه بشان سياساته الماليه والاداريه وبعده تولي علي بن ابي طالب كرم الله وجهه اثر خلاف علي بيعته للخلافه فالبعض كان يري اولويه القصاص لدم عثمان عن بيعه خليفه جديد وتروي الحكايات ان اكبر معارضي توليه حسب هذا الفهم هم طلحه بن عبيد الله والزبير بن العوام وام المؤمنين عائشه بنت ابي بكر رضي الله عنهم اجمعين، وتلي ذلك معركتي الجمل وصفين بين علي كرم الله وجهه ومعارضيه الي ان اغتيل وتولي ابنيه الحسن والحسين رضي الله عنهما الي ان تنازل الحسين رضي الله عنه في الخلافه ل معاويه بن ابي سفيان مؤسس الدوله الامويه.
.. “الفتنه الكبري” لم تنته بتولي بني اميه الخلافه لكنها تمخضت عن الانقسام الكبير بين المسلمين والقائم للان الي (شيعه.. وسنه.. وخوارج) وكرست لاول خلاف مذهبي في الاسلام انبثق عنه خلاف بين السنه والشيعه قائم حتي الان وفي صدر المشهد او خلفيته حسب الاحوال الخوارج بفكرهم التكفيري موجودون وسيظلوا.
.. ولعل من العبث انكار الخلاف المذهبي بين المسلمين الان والذي تمخض عنه خلاف سياسي ونظم سياسيه تناوئ بعضها البعض حتي وان تجملت احيانا بغطاء الديبلوماسيه ولعل الخلاف السني الشيعي في منطقه تواجد المسلمين في العالم من شمال غرب افريقيا الي الشرق الاوسط ومابعده شرقا الي افغانستان وباكستان فكل دول العالم الاسلامي اما سنيه او شيعيه او خليط بينهما بنسب متفاوته من دوله الي اخري وحتي في الدول التي يتواجد بها غالبيه عظمي من احد المذهبين نجد اقليه من المذهب الآخر يقعون تحت ضغط التمييز ضدهم او التهميش .
.. ويستمر الشقاق الذي اسفرت عنه الكراهيه في احداث الفتنه الكبري لشكل من اشكال الصراع المذهبي وان كان يمارس بشكل خفي لكن باساليب ضاريه وتستخدم فيه الجماعات المواليه لمذهب دوله في تشكيل مصدر انقسام وازعاج وتهديد لامن وكيان الدول من المذهب الاخر..
.. الانقسام المذهبي كرس للعراق الهش جدا حاليا وصنع سقوط سوريا ومعاناه لبنان واليمن وساهم في اختلاف الرؤي من حماس السنيه المدعومه من دوله شيعيه وساندها بحربها الاخيره بالصواريخ الغير مؤثره حزب الله في لبنان والعراق وانصار الله في اليمن.
.. الانقسام المذهبي ابن الفتنه الكبري حاضرا في التدخل الغربي وبالاخص الامريكي في المنطقه وخالق لنفوذه وتواجده العسكري بفرضيه الحمايه من دوله تعتنق المذهب الاخر وان كانت تلك الدوله بابعاد اكبر من الطائفيه الاسلاميه في اطماعها وصراعها بل يعزي ان المحرك لفعلها طائفيه عرقيه وانحيازا لامبراطوريه “فارس” البائده لكنها تدثرت بعباءه الدين وان كان مذهبيا
.. الفتنه الكبري حاضره الان بجماعات التكفيريين الموجودين بكل دول العالم الاسلامي وان اختلفت اسماء تنظيماتهم واختلف مدي تأثيرهم من دوله لاخري ولعل ظاهره ان يصعد احد منتسبيهم لسده الحكم في سوريا وبدعم كامل لبعض اتباع المذهب السني عداءا لتغول الممثل الاكبر لاصحاب المذهب الاخر في دول شمال شبه جزيره العرب وتناسي الناس لهم فعلهم الدموي الذي لايفرق بين مذهب ومذهب، وتلك الجماعات حاضره بقوه الان في المشهد الليبي والسوداني المنهارين وفي المشهد التونسي الذي مازال هشاً.
.. ونعود الي ردود الافعال حول مسلسل (معاويه) والتي تمثلت في قرار عراقي بمنع بثه لاعتبارات انه يثير فتنه طائفيه بما يعكس ان النار مازالت تحت الرماد، ولعلي لا استطيع الجزم بما هو الدافع لانتاج هذا المسلسل الان وان كان كاتب المسلسل (خالد صلاح) أوضح بانه يتناول البعد الانساني وشخصيه معاويه وحنكته وربما يكون ذلك تبريرا يواجه حديث الناس عن الفتنه الكبري وان كانت حلقات المسلسل لم تكتمل بعد حتي يتبين صدق توجس الناس او تبرير الكاتب
.. كتابه الدراما التاريخيه ان لم تكن موجهه وتحكي التاريخ بامانه مطلقه وهذا مالا اظنه في اطار اعلام كله موجه حاليا وتحتاج لقامات كبيره ومهنيه في الكتابه والتدقيق التاريخي واستنباط العبر من التاريخ واشخاصه كان هذا مع العقاد رحمه الله في سلسله (العبقريات) والتي لم تجسد دراميا. وكان كذلك مع د. طه حسين في افلام ظهور الاسلام عن كتابه الوعد الحق ومسلسل علي هامش السيره وكان مع مجموعه قامات اعدت فيلم الرساله من توفيق الحكيم لعبد الرحمن الشرقاوي لعبد الحميد جوده السحار الذي كتب المسلسل الرائع (محمد رسول الله) باجزاءه التي حكت قصص انبياء سبقوه (عليهم جميعا السلام) ، وكذلك رائعه امينه الصاوي مسلسل (لا اله الا الله) الذي يروي قصه التوحيد عبر الزمان، ولعل مسلسل (الحشاشين) الذي كتبه عبد الرحيم كمال كان اخر دراما تاريخيه وان وصف بانه بتوجه ما.
والشاهد كتابه دراما التاريخ قام عليها قامات ادبيه ومهنيه ربما تحرت امانه ومهنيه منعت اي لغط حول اعمالها، وعموما الحكم علي المسلسل الجاري عرضه لايصح الا باكتمال العرض.
رحم الله معاويه بن ابي سفيان وعافي الله المسلمين من (الفتنه الكبري) التي مازالت حاضره في مشهدهم الان.