مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب : لا تكثروا من الفضفضة

مثل البعض ممن لهم هواية الجمع ، كجمع الطوابع وجمع العملات النقدية ، يأسرني منذ نعومة أظفاري جمع المقولات المؤثرة والعبارات التي تنطوي على بلاغة وحكمة ملفتة في دفتر خاص بي ، ولعل هذه الهواية كانت الدافع لإنشائي صفحة خاصة على موقع التواصل الإجتماعي ( الفيس بوك) تحت عنوان (في عشق الكلمة ).

لن أطيل عليكم ، ففي إحدى رحلاتي المستمرة بين صفحات الكتب والمدونات والمواقع الإلكترونية لجمع البلاغة ، قابلتني إحدى العبارات الحكيمة للشاعر الفلسطيني الأشهر ( محمود درويش) تقول : لا تكثروا من الفضفضة فإنكم لا تدرون متى يخون المنصتون.

وهنا توقفت وسألت نفسي كيف نتوقف عن الفضفضة ؟! أليست الفضفضة من طرق وأساليب العلاج الناجحة للتقليل من الضغط النفسي وقت الأزمات والمشاكل؟!،كيف نتوقف عن الفضفضة وهي إحدى آليات الطب النفسي لسبر أغوار المريض وتشخيص علاجه؟! كيف يا درويشنا نتوقف عن الفضفضة ؟!وهي لدي البعض بمثابة أنبوب الأكسجين الوحيدة ليتحمل ما يعج به العالم من تلوث ولغط؟!!!

وهنا وجدت صوتًا يخاطبني بلهجة استنكارية وكأنه طيف الشاعر قد امتعض من اعتراضاتي على دعوته واستفاق ليرد قائلًا: يا ابنتي لم أقصد الامتناع عن الفضفضة امتناعًا جامعًا مانعًا ، بل قصدت الامتناع عن الفضفضة لكل من ( هبَّ و دبَّ)، تخيّروا القلوب التي تستمع ، والآذان التي تشعر وترهف لنبرة الصوت .

ورغم نظرة الذهول على وجهي ، أكمل الطيف الدرويشي كلامه قائلًا: الفضفضة هي كشف للمستور من دواخل النفوس ، وتعرية للمشاعر الدفينة في سراديبها ، كيف لا تتورعي وتَفُضِّي هذه الأقفال أمام كل عابر سبيل .

فأجبت في حسرة وإن لم أجد من أفضفض معه ؟ ماذا أفعل ؟! أموت بحزني المكتوم يا طيف الدرويش ؟!!!

فقال : يا ابنتي إن اختفت الأمانة ، وعمت الفوضى النفوس ، لا تفتحي أبواب قلبك للغير مهما كان ، فالفوضى ليست بالخارج فقط ، بل أشق أشكال الفوضى وأكثرها تدميرًا فوضى النفس حيث تختلط القيم وتتداخل الأولويات ، ولا تجد الأخلاق مكانًا وسط هذا الظلام المعتم .
فسارعته قائلة : إذن أين المفر لفضفضة آمنة؟ أجابني بهدوء الحكماء : مع الله ، ستجدي السعة والراحة والشفاء ، بل ستجدي الإجابات على كل تساؤلاتك ، مع الله يا ابنتي وفي معيته تستعيد النفس أهليتها وتتمكن من مواجهة أي ضيق أو كرب وكما نقول لا ملجأ من الله إلا إليه ، هو العالمُ بك أكثر من نفسك وعنده وحده الدواء من كل داء .

وهنا ساد الصمت قليلا بيننا ، مع تفكيري بحديث الطيف الدرويشي لأستفيق على صوت تتر برنامج على شاشة التلفزيون اسمه (أسرار النجوم) ، وحمدت الله أن الفضفضة لم تصل بنا لدرجة استعراض الحياة الشخصية والعلاقات الخاصة على شاشات التلفزيون والسوشيال ميديا، …. حقًا لله الحمد .

زر الذهاب إلى الأعلى