حازم البهواشي يكتب: السُّمْعَة
السُّمعة هي الصورةُ التي يَحمِلها الآخرون عنك، شُهرتُك بين الناس، وهي تَعكس مدى ثقةِ الناس واحترامِهم للفردِ أو المؤسسةِ أو المُنْتَج. وهي رأسُ مالٍ للتاجر، لذا يَحرص التاجرُ الحقيقي _ وليس ابنَ الفهلوة _ على حُسن سُمعتِه، فاسمُه (ماركة وضمانة وعلامة مُسجلة) ذلك بفضل السُّمعة التي تتكونُ على مدارِ السنين، ولا تُشترى بين يومٍ وليلة، بل هي نِتاجُ مواقفَ وأحداثٍ ثَبَتَ فيها صاحبُها على الحق، ولم يُدَنِّسْ عِرْضَه أو سُمْعَتَه بمواقفَ مُخزية!!
يَتحدث البعضُ عن السُّمعة الطيبة الناصِعة، وآخرون عن السُّمعة السيئة التي تحتاج إلى غسيل، غيرَ أن التاريخَ يُخبرنا أن غسيلَ السمعة لا يجعلها كما كانت أبدًا، لا يُنظفها تمامًا، بل تظل بها بُقعة يراها الناس وتلوكُها ألسنتُهم ويتداولونها فيما بينهم.
وتتحدث المعاجمُ عن السُّمعة في مادة (سَمِعَ)، فتقول: (إنها الصِّيتُ، أي ما يُسمَع عن شخص من ذِكر حسن أو سيّئ، تقييم عام لما يتمتّع به الشَّخص من إيجابيَّات أو سلبيَّات).
تتأثر السُّمعة بسرعة، وربما لُطِّختْ كذِبًا وافتراءً، وكما قال متعددُ الأنشطة والمواهب أحدُ الآباء المؤسسين للولايات المتحدة “بنچامين فرانكلين” المرسوم صورته على الورقة من فئة مائة دولار (17 يناير 1706م _ 17 أبريل 1790م): (هناك حاجةٌ إلى العديدِ من الأعمالِ الصالحة لكَسْبِ سُمْعَةٍ جيدة، لكنَّ فِعلًا سيئًا واحدًا يكفي لفُقدانها)!
وللمُدن والدول أيضًا سُمعة، ففي مصرَ مثلًا: سُمعةُ (الشراقوة) الكرم، وسُمعةُ (الصعايدة) الجدعنة، وسُمعةُ (الدمايطة) الحِرْص، ويتندر المصريون عليهم مُعتبرين ذلك بُخلًا، (تتعشا ولا تنام خفيف)!! هذا هو شعارهم في النكتة!! لكنَّ أهلَ دِمياط يرون أنفسَهم عَمَليين، وقد شهِد لهم بذلك الرئيس المصري الأسبق “محمد حسني مبارك” (4 مايو 1928م _ 25 فبراير 2020 ) إذ قال: (أتمنى أن أرى 100 مدينة مثل دِمياط، وهي بالنسبة لي يابان مصر)، وقال أيضًا: (يا ريت أهل مصر كلهم يبقوا زي أهل دمياط). أما محافظة المنوفية فسُمعتها بين المصريين أن أهلها من الدُّهاة ويُحبون (الميري)، لذلك يأتي التندر بأن ابن المنوفية الرئيس “محمد أنور السادات” (25 ديسمبر 1918م _ 6 أكتوبر 1981م) كان أكثرَ دهاءً من اليهود الذين لم يستطيعوا أن يأخذوا معه حقًّا ولا باطلًا!! وتقول النكتة إنه قال لـ “جولدا مائير” ( 3 مايو 1898م _ 8 ديسمبر 1978م ) التي ظنتْ أنها أو بني جِلدتها يُمكنهم خداعُه: (يهودي على منوفي مايرولش يا جولدا)!!! وبمناسبة ذِكر (جولدا) فبين الدول يُشتهر كيان (اللي بالي بالك) بأن سُمعتهم فيما يتعلق بحقوق الإنسان وحِفظ العهود (زي النِّيلة) _ مع الاعتذار للنِّيلة _، ولا يكفي لغسلها وتطهيرها مطهراتُ الكون!! ولكنهم يُشتهرون بالشطارة في التجارة، غيرَ أنَّ (خَيَابَةَ) البعضِ منا هي ما تجعل لهؤلاءِ شُهرة، واسألوا الصحابِيَّين الجليلَين “عبد الرحمن بن عوف” و “عثمان بن عفان” _ رضي الله عنهما _!! أما الشُهرة الأصلية (للبُعَدا) فهي أنهم قتلةُ الأنبياء وأبناءُ القِرَدَةِ والخنازير!!
ويُشتهر اليابانيون بالدِّقة و (عدم الفَتْي) أي أنهم لا يتحدثون فيما لا يعرفون مُطلقًا، _ بعكسنا نحن المصريين _ وأن دِقَّتَهم تفوقُ دِقَّةَ الساعة، لذلك أَطلقَ الناسُ عليهم (كوكبَ اليابان) وكأنهم ليسوا من أبناء الأرض ولا يعيشون عليها؛ فهم نسيجُ وحدِهِم، سلوكُهم وتصرفاتُهم وصناعاتُهم تدعو للإبهار وتثيرُ الإعجابَ الشديد.
ولا ينبغي أن نختتم المقال دون الإشارة _ من باب الجناس التام _ إلى أشهر (سُمعة) في الوطن العربي، المصري أبو ضحكة جنان نجم الكوميديا الفنان “إسماعيل ياسين” (15 سبتمبر 1912م _ 24 مايو 1972م) الذي أصبح اسمُه مُرادِفًا للبسمةِ على الوجوه، والضحكة الحلوة.
نصحَ الأبُ ابنَه يومًا فقال: (اِحْرِصْ عَلى سُمْعَتِكَ وَاسْتَثْمِرْ فِيهَا، وَدَعْ لِوَرَثَتِكَ رَصِيدًا كَافِيًا مِنْهَا).