هاجر تهامى تكتب: الأهلي بين ميلاد البرغوث والمتهم الأول… فلمن الغلبة الليلة؟

صمتٌ مخيفٌ مميت، قد يسبق عاصفةً مُنتظَرة، تصبّ غضبها في هذا الوجه الصامد، الذي لا تبدي ملامحه أيّ انطباع: لا بالفرح ولا بالحزن، لا بالقوة ولا بالخيبة، لا بالخوف ولا بالثبات.
لا صوت له، لا صرخاتٍ مسموعة، ولا حركة تهدّئ قلوبنا الموقَدة وقلقنا المفرط من خيبةٍ نخشَى قُدومها.
مباراةٌ واحدةٌ فقط تفصلنا عن حسم بقائنا من عدمه؛ فإمّا العودة من حيث أتينا، أو البقاء حيث تمنّينا… في النهاية، هي لعبةٌ قَدَريّةٌ بحتة، فما لنا إلا أن نرفع أيدينا، داعين: يا رب، يا رزّاق، ارزقنا جميعًا، واجعل فجرنا فُل، وارزق أهلنا المنال.
الليلةُ هي ميلادُ هذا الـ”ميسي”، هذا البرغوث الاستثنائي الأرجنتيني، وهي نفس ليلة ختام الرحلة بلقاء الأهلي وبورتو، ولقاء بالميراس بإنتر ميامي، فهل نُعِدّ احتفالًا أسطوريًا يليق بهذا القاتل الصغير؟
وهل يفعلها الأهلي ويُغدق علينا من كَرَمه أمام بورتو البرتغالي، لنُطفئ شموع ليلته على بداية فجرنا بكلمات: “عقبالك يا قلبي… عقبالك عقبال حبك لما يغني، وأنا مرتاح البال ومتهني”؟
هل يأتي القدر بهداياه من لقاء إنتر ميامي وبالميراس إلى هذا الكيان، بعد أن قدّم ما عليه، وأحسن استقبال ضيفه البرتغالي، وأعدّ احتفالًا خاصًا لجمهورٍ مُتعطّشٍ حدّ الثّمالة؟
ولِمَ لا؟ وهو من علّم محبيه كيف الحلم، وكيف يتحول إلى واقع، وكيف المكسب حين يشحّ الحُلم، وكيف ينتصر حين يظنّ الجميع أن المعجزة مستحيلة.
لكن الليلة بالتحديد، وهذا الفجر الذي يعدّ العاشقون ساعاته ليأتي، وفي ظل هذا المستوى التنافسي المرتفع، قد يكتفي المحبّون بكلمات وداعية بسيطة، بشرطٍ وحيد أن تكون مغلّفة بأداءٍ رجولي، ممتع، ونهايةٍ تليق باسم الأحمر، وتترك أثرًا في القلب والذاكرة، لكن.. لا تثق كثيرًا في جنون العاشق، خاصّةً إن طال صبره عليك، فلكل صبرٍ حدود.
يا طير يا شادي، اهتف ونادي، اهتف وغنّي وقول: “العب يا أهل بلادي”…فالعب أيها الأهلي فجر اليوم، بما يليق باسمك وتاريخك وقلوب محبّيك، حتى إن خذلتك قدماك، وحتى إن بدّدت خيبةُ المرمى أحلامَك.
لا تغضّ البصر عن سعادة عشاق الساحرة وتصفيقهم الحار لصن داونز، رغم خسارته أمام بروسيا دورتموند، اعقد النية، والعب بإصرارٍ وترصّد.
ونَعِدك إن خذلنا الحظ أن نعتبر تلك البطولة مجرّد معسكر إعدادي أول لهذا الموسم،
لكنه معسكر جاد، أمام مدارس كروية مختلفة، ومع جهاز فني جديد، ولاعبين جدد.
في هذا الحدث العالمي، اجتهد من اجتهد، وأخطأ من أخطأ حتى وإن كان الخطأ بحُكم الهوى لكنها أحلام مشروعة، راودت النفس بأقدام صفقات وتعاقدات جديدة،منها من ألهب الدنيا ضجيجًا، طرب له البعض، وأغلق دونه آخرون آذانهم، ومنها من اعتبره البعض مجرد صدى جنون الميديا أو قربانًا للصلح.
ومع كل هذا، يراود أذهاننا سؤالٌ يصعب تجاهله، من المتهم الأول عما حدث في مباراتي الأهلي السابقتين أمام إنتر ميامي وبالميراس؟
الإجابات متعدّدة، بين متفق ومختلف، لكن تبقى الإدارة ثم الإدارة ثم الإدارة، هي المتهم الأول، والبقية تأتي.
ولنكن منصفين، فإن إدارة الأهلي وُضعت في توقيت لا تُحسد عليه، فكيف يأتي بريبيرو قبل البطولة بأيامٍ معدودة؟ كيف يُطلب منه أن يخوض تحديًا عالميًا بهذا الحجم، تحت هذا الضغط؟ كيف له أن يختبر لاعبيه ويعرف قدراتهم في أيام قليلة؟ الرجل بالكاد يعرف أسماءهم، وبعض من وجوههم، فكيف يديرهم؟ كيف يُطلب من اللاعبين الجدد صغارًا وكبارًا أن ينسجموا سريعًا مع الفريق؟ كيف؟ وكيف؟ وكيف؟.
فأخيرا.. اعلم يا أهلي أن قلوب محبّيك، التي حيّرتها عشقًا وخوفًا، ستحاول أن تضبط نبضها على توقيتك، وأن تحبس أنفاسها على وقع قدميك.. فاحذر أن يغضب العاشق، فإن لصبره حدود.