مقالات الرأى

هاجر تهامي تكتب : بين صيد الفطرة ولذة الوصول.. من الفريسة؟

0:00

لذّة الاقتناص لذّة مؤقتة تنتهي بانتهاء الغرض،
فطائرٌ اصطاده صيّاد ماهر، أكله، وامتلأ جوفه.. هنا انتهت اللعبة عند حدّ شبع الصيّاد من فريسته.

وذلك ليس بعيد عن لعبة القطّ والفأر، مهما كانت نتائجها؛ فأطرافها في النهاية خاسرون، أحدهما بالكاد يلهث أنفاسه، والآخر قد ملّ الصراع فأعلن استسلامه، برغبته أو دونها.. هي لعبة تنتهي دومًا إمّا باستسلام، أو شبع،أو فقدان شغف.

وكما اعتدنا أن المتعة في “رحلة الوصول”، وأن اللذّة الحقيقية تكمن في الطريق لا في نهايته، فالشبع من وجبةٍ دسمة يمنعك حتى من تحمّل رائحة أشهى الأكلات، طالما أن المعدة قد امتلأت.

فما الفارق بين اصطياد الفريسة وتناولها، وبين حالة الاشباع التي تقتل الرغبة؟

وفي العلاقات الإنسانية، قد تكون الصورة واضحة كوضوح الشمس منذ البداية، لكنّ أصحابها يجنحون للخداع المتبادل، مستمتعين بالتلاعب وفي هذه الحالة، لا صيّاد ولا فريسة، بل لعبة متكافئة، بأدوار موزّعة، وخسارة معلنة أو مؤجلة.

وهناك أيضًا نوع من العلاقات، يعرف فيها أحد الطرفين بدقة ما يريد من الآخر، بينما يختار الطرف الثاني التلاعب في الاستجابة، رغبةً منه في الاستمتاع بمقدّمات الصيد، وهنا أيضًا الطرفان واعيان باللعبة، ولا فائز فيها ولا خاسر، وهذا هو صيد الفطرة، برغبة غير معلنة، وهنا لا نعلم الصيّاد من الفريسة، كااتقان طفل لفنون الصيد بالفطرة، قبل أن تطبع الأرض على قدميه،
فيجعل من والديه فريسته، مع فارق أدوات الصيد؛
فلكي تتحقق رغبته في الحمل أو اللعب، يصرخ،
فما عليك سوى أن تلبي دعوته، حتى يهدأ وكي تستريح أنت.. وهنا كان النفع متبادل وإن كان به مشقة للآخر.

أما العلاقات التي تُبنى على نوايا مستترة، حيث يعلم أحد الطرفين تمامًا ما يريد، بينما الآخر لا يعلم شيئًا،
فهنا تتحوّل اللعبة إلى هلاك، فالطرف الجاهل لم يختر أن يكون شريكًا في هذه اللعبة، فأين المتعة في الأذى؟

إن أردتَ شخصًا، أو شيئًا منه، فأعلن رغبتك كما هي،
وإن أراد الآخر نفس الشيء، وتوافقتما، فأهلًا بكما في علاقة يتحمّل طرفاها خسائرها كما يستمتعان بمكاسبها.

أما حين يُقابَل الرفض برغبة شرسة في الانتقام،
فتبدأ لعبة أخرى لا يتراجع فيها الصيّاد رغم مشقة الطريق، ويمضي في رحلة استهلاكية لن تُثمر شيئًا،
حتى وإن شعر في النهاية بلذّة الانتصار.

لذّة زائفة، مؤقتة، تنتهي بانتهاء الغرض ولا تخلّف وراءها سوى ألمٍ لطرف، ودونيةٍ لطرفٍ آخر،
إن كان يملك جزءًا من الإحساس وغالبًا لا يكون ذلك الحسّ حاضرًا أصلًا في هذه اللعبة.

زر الذهاب إلى الأعلى