حازم البهواشي يكتب: جائزة السماء
التعبير الأثير للراحل الكبير “عبد الوهاب مطاوع” ( 11 نوڤمبر 1940م _ 6 أغسطس 2004م ) في بريد الجمعة على صفحات جريدة الأهرام العريقة، والذي كان يُهَوِّنُ به _ صادقًا _ على أصحاب المشكلات الذين صبَروا فأحسَنوا، وظُلِمُوا فتحمَّلوا، فكانت جائزةُ السماء تعويضًا لهم عما حلَّ بهم.
حقًّا وصدقًا إن السماء لا تُمطر ذهبًا ولا فضة كما قال (عمر بن الخطاب) _ رضي الله عنه _، لكنَّ ربَّ السماء يكافئ دومًا من سعى ومن صبر، ومن أوذي ومن ظُلِم، هكذا يقول الواقع، و (رَبَّك مع المِنْكِسْرِين جابر) كما يقول الحِسُّ الشعبي. لا تنسَ أن كل شيء عند ربك بمقدار، وأن الدنيا دارُ ابتلاء لا دارَ استواء، فمَن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء؛ فكلاهما مؤقت!!
إن التعويضَ الإلهي أمرٌ حتمي، لكنّ له قواعدَ، منها أنه ليس بالضرورة أن يكون مباشرًا وسريعًا، فإن ظُلمتَ اليوم أو ابتُليتَ فلا تنتظر جزاءَ صبرك غدًا، وإن تصدقتَ اليوم بجنيه، فلا تنتظر عشرةً غدًا، وإن صليتَ اليوم ركعتين فلا تنتظر نورًا بوجهك غدًا!! لكنك يجب أن تطمئن تمامًا.
عند التعامل مع البشر كثيرون لا يحفظون الجميل، ولا يصونون العِشرة، ولا يعرفون إلا لغةَ المصلحة، لذلك يغضب بعضُنا من نكران الجميل!! أما ربُّ العزة، فلا يَضيعُ عنده شيءٌ عمِلتَه مِن أجله؛ إذ لا مصلحةَ له عندك!! هل تعلمُ أن بين فِراقِ يوسفَ لأبيه ولقائِه أربعين سنة!! أنَّ بين دعاءِ موسى على فرعونَ وإجابتِه أربعين سنة!! أن بين صلح الحديبية وفتح مكة سنتين!!
جائزةُ السماء تأتي لا محالة، ولكن يجب الصبر؛ إذ ربما لا تكون في الدنيا، ولكن ما عليك إلا الصبر والدعاء، والله يُعوضك بالطريقة التي يراها مناسبة، ثق في ذلك. ليس كلُّ مَا نَفقده يُعَدُّ خَسَارة؛ قد يُريد الله تَبدِيلَ النعمةِ بخيرٍ منها، فثِقْ بحكمة ربِّك، واعلم أن الجائزةَ ربما تأتي في الآخرة، حيث تنقلب الأمورُ عندما تختلف المقاييس، فليس هناك قيمةٌ إلا للصدق والإخلاص، أما الفهلوة فلن تُجديَ عن أصحابها شيئًا!! الموتُ ليس نهاية، فالذي منحك الحياة لا يُمكن أن يَسلبَها منك دون تعويض، إنما ينتقل بك إلى حياةٍ أخرى، المسألة تغييرُ عنوان!! وفي العنوان الجديد سنرى العجبَ العُجاب، فمن رأيناه عظيمًا ربما ينقلبُ حقيرًا، ومن رأيناها مُهانة ربما أصبحتْ من أصحاب العزة، ومن دُفِع بالأبواب، ربما فُتِّحتْ له الأبواب، والعكسُ صحيح.
البلاء أمرٌ محتوم، والتعويضُ أيضًا أو جائزةُ السماء أمرٌ محتوم، لكنَّ للجائزة شروطًا لتُمنَحَها هي التسليمُ والرضا والتفويض، وإذا كان عملُك محدودًا فعطاءُ ربك غيرُ محدود. هل يُعقلُ أن يُحدَّدَ الأوائلُ دون امتحان؟! وبعد تحديدهم يتم تكريمهم، أنت ممتحن فيما مَنح الله وفيما مَنع، فالذي منحك إياه اجعله في سبيله، والذي منعك إياه ارض فيه بقضائه؛ فإنه إن كشف لك حكمةَ المنع، عاد المنعُ عينّ العطاء. من المستحيل أن تطيعه وتخسر، ومن المستحيل أن تعصيه وتربح!!
رأيتُ فيما رأيتُ من جوائز السماءِ في الدنيا جائزةً لأمٍّ شابة مات زوجها ظلمًا وعدوانًا، تاركًا لها ستةَ أولاد!! فرضِيتْ وتحمَّلتْ وسعتْ ودعَتْ، حتى أصبح لأبنائها شأنٌ يَحسدُهم عليه أصحابُ القلوب المريضة!! وهذه التي وُلِدَ ابناها كفيفَين، فرضِيتْ ووهبتْهما لكتاب الله، الذي جعل لهما فتوحًا، حتى سمعتُها تقول: (كانوا بيتصعبوا علينا علشان الولدين مابيشوفوش دلوقتي بنتحسد عليهم)!!!