محمد محمود عيسى يكتب : الثانوية العامة وانهيار التعليم في مصر
انتهى مارثون امتحانات الثانوية العامة وهي شهادة إتمام تعليم المرحلة الثانوية ما قبل التعليم الجامعي وهي مرحلة تعليمية مهمة جدا في حياة الطالب وفي حياة الدولة وفي حياة المجتمع لأنها من المفترض أن يتخرج منها الطالب وهو على قدر كبيرا جدا من التحصيل العلمي والدراسي بجانب إجادته لجميع مهارات التعلم ومهارات اكتساب اللغة والمعارف من تحدث واستماع وقراءة وفهم واستنتاج وتحليل وتعبير والسؤال الذي يفرض نفسه وبكل وضوح وصراحة مطلقة هل طالب مرحلة الثانوية العامة وصل إلى امتحانات نهاية العام وهو يمتلك كل هذه المهارات ويجيدها تماما ومتمكن منها وهل وصلت درجة إجادته لهذه المهارات بجانب تحصيله العلمي التخصصي إلى الحد الذي يمكنه من الالتحاق بالمرحلة الجامعية ويتخصص في الكلية التي تناسبه وتناسب نوعية دراسته في المرحلة الثانوية ويستكمل دراسته الجامعية بنفس القدرات والمهارات العالية التي اكتسبها في المرحلة الثانوية سنجيب معا عن هذا السؤال الحزين بخبر واضح وصريح الخبر يقول : أن الأستاذ الدكتور علاء عطية عميد كلية طب أسيوط قد وقع على نتيجة السنة الأولى في كلية الطب برسوب 60 في المئة من نسبة الطلاب مع أن أسئلة الامتحانات كانت عبارة عن اختيار من متعدد وبصورة أسهل مما كان يحدث معهم من قبل ولدى الطلاب نماذج للأسئلة والتدريبات بمعنى أن الطالب حتى لم يكلف نفسه عناء التدريب ومراجعة نماذج الأسئلة
نتوقف هنا عند ملحوظة هامة الطلاب الذين رسبوا بنسبة الستين في المئة هم من طلاب المرحلة الثانوية العام الماضي حينما كان هناك الأمل والتعليم والدراسة في طلاب هذه المرحلة ومع ذلك وصلت نسبة رسوب الطلاب في السنة الأولى في كلية الطب إلى أكثر من ستين في المئة
ومع امتحانات الثانوية العامة في هذا العام وما صاحبها من أشكال مختلفة ومتعددة للغش والتحايل على الإجابات وحالات التهاون والتساهل في بعض لجان المراكز المتطرفة والبعيدة جغرافيا عن الرقابة والسيطرة بالإضافة إلى بدايات العام من الانتشار الصارخ والواضح والعلني لمراكز الدروس الخصوصية ومحاولة السيد وزير التربية والتعليم في بداية العام الدراسي تقنين عمل هذه المراكز التعليمية وهي البديل الغير شرعي للمدراس ومع أن محاولات السيد الوزير لم تنجح في تقنين هذه المراكز التعليمية إلا أن تدخل الوزير ومطالبته بتقنين عمل المراكز التعليمية كان إشارة وموافقة ضمنية للجميع عن رضا الوزير عن عمل هذه المراكز حتى وإن لم يعلنها واضحة وصريحة أو بمعنى أخر أن السكوت علامة الرضا وبمعنى أخر أنه لم تكن هناك أية محاولة من الوزارة للتصدي لعمل هذه المراكز التعليمية مع أن الوزارة تملك جميع الصلاحيات الممكنة للتصدي ووقف عمل مراكز الدروس الخصوصية بل على العكس وجدنا الفيديوهات التي تخرج علينا لكبار المعلمين وأباطرة الدروس الخصوصية وهم يركبون السيارات الفارهة ويحيط بهم البودي جاردات ويصلون إلى مراكز الدروس الخصوصية في مواكب من السيارات والحراسات الخاصة وتخرج علينا الفيديوهات أيضا ونرى المعلم وهو يقف بين ألاف الطلاب ويشرح لهم بكل اريحية ومع غياب تام ومؤكد لدور المدرسة والوزارة والدولة وكأن هذا الأمر يحدث في دولة أخرى
واسمحوا لي أن أسأل سؤالا واضحا وصريحا ورزقي على الله هل وزير التعليم الحالي يملك رؤية وسياسة واستراتيجية علمية واضحة لتطوير التعليم في مصر؟ هل خرج علينا الوزير الحالي في مؤتمر صحفي معلنا رؤية الوزارة خلال السنوات المقبلة؟ وما مصير المشروع العالمي الكبير والتجربة المصرية المتميزة في تطوير التعليم والتي كانت محل إشادة من المؤسسات والهيئات الدولية وكذلك الدول المجاورة حتى أنها أرسلت وزراء تعليمها إلى مصر لكي يشاهدوا التجربة المصرية والتي كان يقودها الدكتور طارق شوقي وزير التعليم السابق؟ ولماذا لم تدافع الدولة عن مشروع الدكتور طارق شوقي وتوفر له الحماية والامكانيات والموارد اللازمة لنجاحه ووصوله إلى نهايته ولو كانت هناك أخطاء كان من الممكن أن تتوقف الدولة عندها وتصوبها لا أن تقضي على المشروع كاملا وهل التعليم في مصر استراتيجية دولة ثابتة وحقيقية وواقعية لا تتغير بتغير الأفراد أم أن التعليم في مصر حقل تجارب وعلى حسب قدرات ومهارات ودراسات وأهواء الوزير الموجود والذي يقود التعليم في المرحلة؟ هل نظام التعليم الحالي بكل مراحله وبكل ملابساته وظروفه الراهنة يمكننا من الاطمئنان على تخرج جيل من الطلاب يمتلك كل أدوات الثقافة والمعرفة والمهارة وبما يمكنه من أن يكون ركيزة هامة من ركائز الجمهورية الجديدة
وسؤال أخر ورزقي على الله أيضا بكل صراحة ووضوح هل التعليم في مصر هو المشروع القومي صاحب الأولوية القصوى لدى الدولة والحكومة؟ هل الدولة المصرية تضع التعليم في مصر على رأس أولوياتها؟ هل الدولة في مصر تعمل على توفير كل الإمكانيات والموارد اللازمة لنجاح مشروع تعليم مصري عصري عالمي حديث ينقل مصر في المستقبل إلى أفاق عالمية من الثقافة والمعرفة ومهارات المستقبل؟
دعوني أقول بكل صراحة ووضوح التعليم في مصر ومع كل ما يحدث في مراحل التعليم المختلفة يسير إلى الهاوية التعليم في مصر وبكل المشاهد التي تحدث ومع عدم وجود رؤية واضحة ومشروع دولة قومي استراتيجي تجند له الدولة كل امكانياتها أصبح أكبر خطر يتهدد الدولة المصرية في المستقبل لأنه بهذا الوضع الراهن سيكون سببا من أسباب هدم وضعف الدولة المصرية في المستقبل
نعم نقدر ظروف الدولة الاقتصادية ولكن هناك تجارب دولية وظروف اقتصادية مشابهة استطاعت أن توظف امكانياتها ومواردها للنهضة بالتعليم كتجربة بنجلاديش حينما عملت الدولة هناك على زيادة ميزانيات التعليم وواكبت مع التعليم تجربة خيرية مختلفة لا تعتمد على الكراتين والمساعدات العينية وهي تجربة بنك الفقراء والتي استطاعت أن ترفع متوسط دخل المواطن هناك إلى ما يزيد على ستة ألف دولار سنويا
لا يمكن أن تنهض الدولة المصرية ولن يكون لها شأن عظيم بين الدول مهما بنت وشيدت مالم تمتلك مشروعا عظيما للتعليم يكون هو المشروع القومي الأول للدولة والمجتمع وتضعه الدولة على رأس أولوياتها وتوظف له العلماء والمتخصصين الحقيقيين الذين يضعون السياسات والخطط العلمية المناسبة والتي تمكنهم في المستقبل من تخريج جيل متعلم ومثقف وفاهم ومدرك وقادر على المساهمة الحقيقية في قيادة الدولة المصرية
كل تجارب التاريخ تؤكد على ذلك ما من أمة نهضت إلا من خلال التعليم وما من حضارة قامت وقادت وسادت العالم إلا من خلال التعليم
أنقذوا التعليم في مصر وأنقذوا الدولة المصرية في المستقبل من كل مخرجات التعليم الحالي الضعيف والذي لا يليق بالدولة المصرية ولا بمشروع الجمهورية الجديدة