راندا الهادي تكتب: مُتْ فارِغًا!!

سؤالٌ طرحَه أحدُ الأساتذة في محاضرة: ما هي أغنى أرض في العالم؟! فأجاب البعض: أرض الخليج فلديهم النفط، في حين قال آخر: إفريقيا الغنية بالماس، لكن المحاضر أجاب: إن أغنى أرض في العالم (المقبرة)؛ فكم بها من أفكار واختراعات وخبرات عبقرية دُفنت مع أصحابها ولم ترَ النور!
إلى هنا انتهت المحاضرة، ووُلِدت فكرة كتاب (مُتْ فارغًا) لصاحبه الأمريكي (تود هنري)، وعنوانُ الكتاب شارحٌ لمحتواه وهدفه، ألا وهو أنْ تُفرِغَ جُعبتك من كل الأفكار، الخبرات، ثمار التجارب، وكل ما يفيد البشرية قبل موتك، لا تحتفظ بشيء لنفسك، ليس بحُجة (الوقت غير المناسب) ولا (العقول التي لا تستوعب)، ولا من باب أنانية الامتلاك التي نُعاني منها نحن البشر!
أليس هذا أحدَ أسباب خلق الإنسان على الأرض، أن يعمرها؟! كيف إذن سيتم هذا الإعمار وأنا أبخل بأهم الثروات البشرية وهي المعرفة والعلم والإبداع على بني جنسي؟! ألم تكن ماهيةُ بعثِ الله للرسُل هي نقلَ تعاليمِه ونشرَ العِلم بماهية وجودِنا على الأرض؟! ولعل فيما تحتويه الكتبُ السماوية _ خاصةً الإسلام _ من حَثٍّ على أهمية العلم وعدم كتمانه وأجر العلماء، ما يُرسخ لهذه الدعوة: (أن تموت فارغا).
نعود إلى كتاب (تود هنري) الذي تساءل فيه عن فائدة الأفكار إن لم ينتفع بها أحد، وهنا حذّر (هنري) من الاستهانة بأي فكرة مهما كانت بساطتها، ولنعلم أن أعظم الاختراعات التي شهدتها البشرية كانت بدايتُها فكرةً ساذجة أو ملاحظةً غريبةً للجميع، لكنها مُلفتة ومغرية لغيرهم، الذين رعَوْها وجاهدوا لإخراجها إلى النور.
لنجعل مبدأنا في الحياة أن نموت فارغين، ليس فقط من العلوم والخبرات والأفكار، بل من الحُب والمشاعر الطيبة والكلمات الرقيقة، لا تتكاسلوا عن إخبار من تحبون بحبكم، ولا تؤجلوا الاتصال بمن تهتمون بهم، ولا تبخلوا بالكلام الطيب الرقيق على مَن حولكم؛ فهذه الكلمات ستترك أثرا يدوم في القلوب حتى بعد رحيلكم.