مقالات الرأى

محمد أمين المصري يكتب: موسكو وكييف..وحديث عن النصر الزائف

0:00

يبدو أن من يتوقع قرب انتهاء الحرب الروسية – الأوكرانية التي دخلت عامها الثاني قبل أيام، يعيش في الوهم، فالاتحاد الأوروبي استهل أول يوم في العام الثاني للأزمة الأوكرانية بفرض حزمة عقوبات عاشرة على موسكو بالإضافة لشركات إيرانية. هذه البداية لا تتعلق بقرار الرئيس الأمريكي جو بايدن باستبعاد إرسال مقاتلات من طراز “إف 16” إلى كييف في الوقت الراهن. بايدن لم يتوقف عن فكرة دعم كييف عسكريا وتسليحيا بالمطلق، لأن بلاده سبق وقدمت أكبر حزمة دعم لأوكرانيا منذ اندلاع الحرب وقد بلغت نحو ٢٢ مليار دولار حتي ديسمبر الماضي. ولكنه قرر التدخل في الأزمة بطريقة أمريكية وهي رفض كل ما يأتي من خارج الاتحاد الأوروبي وبلاده لحل الأزمة وعودة المياه الي مجاريها، وعليه قرر بايدن رفض خطة السلام التي طرحتها الصين مؤخرا، وقال إن فكرة أن الصين تتفاوض على نتائج الحرب في أوكرانيا “ليست عقلانية”.وأضاف بايدن في تعليقات تزامنا مع الذكرى السنوية الأولى للحرب، أن”(الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين يصفق لها، فكيف يمكن أن تكون جيدة؟”.

طبيعي أن يشكك بايدن والغرب في أي مبادرة تأتي من الشرق، في وقت لم تعلن فيه بكين موقفا حاسما من الأزمة، فهي أعلنت حيادها ولم تنتقد قرار الحرب الروسي، وعليه كان الغرب سباقا مع بايدن في رفض مقترح بكين لإنهاء الأزمة الأوكرانية، في حين رحب بها صاحب القضية ونعني الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي باعتبار أن الصين دولة مهمة في المنطقة وفي استطاعتها التدخل لعرض المقترحات المختلفة بشرط أن يقتنع بها الجانب الروسي، وأن تحترم المبادرة الروسية المقترحة وحدة الأراضي الأوكرانية وضمان مغادرة روسيا أراضي أوكرانيا بالكامل.

أمر بديهي أن يبدأ العام الثاني للحرب بتبادل الاتهامات بين موسكو وكييف، كما أنه من الطبيعي أن تعلن واشنطن والغرب وحلف الناتو ، تجديد مساندتهم ودعمهم لأوكرانيا. ولكن ليس من الطبيعي أن يعلن وزير الدفاع الأوكراني أوليكسي ريزنيكوف أن جيش بلاده يحضر لهجوم مضاد على القوات الروسية ، قائلا “سنشن ضربات أقوى وأبعد، في الجو، وعلى الأرض، وفي البحر، وفي الفضاء الافتراضي، وسيكون هناك هجوم مضاد ، نعمل بجهد للتحضير له . وأكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في كلمة له بهذه المناسبة ، إن أوكرانيا ستفعل كل ما يقتضيه الأمر لتحقيق “النصر هذا العام” ، وقال بنبرة تحدي، “سنهزم الجميع”. زيلينسكي بالغ في التحدي وقال في حفل بسيط ألقى خلاله خطابا استمر 15 دقيقة أمام مجموعة من العسكريين المكرمين والمسئولين : “نحن أقوياء ومستعدون لأي شيء ، سنهزم الجميع ، هكذا بدأت في 24 فبراير 2022 ، أطول أيامنا وأصعب الأيام في تاريخنا الحديث ، لقد استيقظنا مبكرا ولم ننم منذ ذلك اليوم”.

وبدوره قال مستشار الرئيس الأوكراني : سنرفض أي خطة تقضي بوقف إطلاق النار فقط، وما يهمنا هو السلام وليس تجميد الحرب، وأعلن تمسك أوكرانيا بانسحاب القوات الروسية إلى حدود 1991.

نبرة التحدي التي يتحدث بها القادة الأوكرانيين تعطي ملمحا بأن كييف تقف علي أرض صلبة في حربها مع الروس الضخم والأكثر خبرة في الحروب، وأن بمقدور الجيش الأوكراني إنزال هزيمة نكراء بالجيش الروسي، وهو ما لا نراه حتى وقتنا الراهن، رغم إمدادات الدعم الأوروبي والأمريكي للقوات الأوكرانية. فلغة التحدي لا تحل أزمات بل تصب المزيد من النار علي الزيت المسكوب، وبالتالي يتلقي القادة الروس هذه اللهجة الأوكرانية المتشددة بمزيد من التطرف والعناد والتمادي في الحرب حتى لو كلفتهم حياتهم، فالروس – والغرب يعلم ذلك – لا يرضخون لابتزاز، وبالتالي لا يجب أن تشعرهم بأنه تم إذلالهم.

من المؤكد أن الدعم الغربي والأمريكي أصاب القادة الأوكرانيين بالغرور، فحلف شمال الأطلنطي “الناتو” أعلن أنه “مصمم على مساعدة أوكرانيا على التصدي للغزو الروسي ، معتبرا أن موسكو ” لم تتمكن من كسر عزيمة الشعب الأوكراني” ، وطالب الحلف روسيا روسيا بوقف فوري لهذه “الحرب غير القانونية” ، التي انعكست على إمدادات المواد الغذائية والطاقة في العالم ، ولم تتوقف مطالب الحلف عند هذا الحد، بل تمادي في مطالبته بمحاسبة موسكو على ما وصفه بـ”جرائم الحرب” المرتكبة في أوكرانيا.

ومقابل لهجة التحدي الأوكرانية..لم يقف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ساكنا، فصب جام غضبه على حلف “الناتو” واعتبره مشاركا رئيسيا في النزاع في أوكرانيا من خلال إمداد كييف بالأسلحة، متهما الغرب بالسعي لتقسيم روسيا. ويرى بوتين أن دول الناتو تساهم في إطالة أمد الحرب بإرسالها أسلحة بعشرات المليارات من الدولارات إلى أوكرانيا. وقال”هذا يعني أنها تشارك ولو بصورة غير مباشرة في جرائم نظام كييف”.

وتمادى بوتين في اتهاماته لـ”الناتو”بقوله “في الظروف الحالية، عندما تعلن جميع الدول الكبيرة بحلف شمال الأطلنطي أن هدفها الرئيسي هو تكبيدنا هزيمة إستراتيجية، حتى يعاني شعبنا كما يقولون، كيف يمكننا أن نتجاهل قدراتهم النووية في مثل هذه الظروف؟”. وأضاف بوتين “لديهم هدف واحد: تقطيع أواصر الاتحاد السوفيتي السابق ولاسيما الجزء الرئيسي فيه: روسيا الاتحادية..عندها فقط قد يقبلوننا في عائلة الشعوب المتحضرة المزعومة، ولكن بصورة منفصلة فقط، كل جزء لوحده”. وسخر بوتين من “خطط الغرب لتقسيم روسيا موثقة على الورق، وزاد بتحديه الغرب ” لن يفنى الشعب الروسي”.

اتهامات بوتين للغرب توسعت لتطال أمريكا تحديدا “يجب أن يتغير العالم، ليتكون عالم متعدد الأقطاب..نحن نتصدى لكون هذا العالم الجديد الذي ينشأ يُبنى فقط من أجل مصلحة دولة واحدة هي الولايات المتحدة، الآن وبعدما قادت محاولاتهم لإعادة ترتيب العالم على صورتهم إثر سقوط الاتحاد السوفييتي إلى الوضع الراهن، لا بدّ لنا من التحرك”.

تصريحات بوتين أغرت بقية القادة الروس باستخدام أوصاف عديدة للولايات المتحدة منها عالم “رعاة البقر” و”لي الذراع”.

إجمالا..والأزمة الروسية – الأوكرانية تدخل عامها الثاني، لم نجد أي طرف يسعى لوقف هذه الحرب الدموية، فموسكو وكييف استغلتا كل الوقت والجهد لكيل الاتهامات إلى الطرف الآخر، وتعهدت كل عاصمة على حدة بتحقيق النصر!..
عن أي نصر يتحدثون..لا ندري

زر الذهاب إلى الأعلى