حازم البهواشي يكتب: ارتقُوا فقد ازدحم القاع!!
تنتشر هذه الجملة بين فترةٍ وأخرى، كلما رأينا سلوكياتِ التعامل والحوار وهي تنحدرُ إلى القاع، وتنزِلُ بسُرعةِ الصاروخ حتى لم يَعُدْ في القاعِ مكان!!
لغةُ الحوار في البيت تغيّرتْ، في الشارع انحدرتْ، بين الجيران ساءتْ، في بعض المسلسلات والأفلام والبرامج أصبحت رديئة أو قُلْ (فَجّة)!! وبعد المبارايات الرياضية تبدأ مبارايات (التحفيل)، لتُبعِدَ عن أذهاننا أن الرياضة (مكسب وخسارة)، (تُقرب ولا تُفرق)، وتصبح هذه المعاني حِبرًا على ورق تمامًا كقولنا: (الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية)!!
يختلف الزوجان _ وهذه سُنة الحياة _ فينفصلان، فيفضحان، وللأبناء يُطلِّقان، مُتناسين تعاليمَ القرآن “… وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ” ( البقرة _ 237 )، لكن الطرفين ينحدران أو ينحدر أحدُهما إلى القاع المزدحم الذي سيكون بعد ذلك بالحجز!! ويجعلان الله البصير أهونَ الناظرين إليهما _ تعالى جلّ شأنُه _، وما ذلك إلا بسبب العِناد، الذي يأخذنا إلى القاع بسرعة الضوء! وكما نقول في حياتنا: (العِناد بيوَلِّد الكُفر)!!
يقول ابنُ القيِّم:
“الدينُ كُلُّه خُلُق، فمن فاقك في الخُلُق فقد فاقك في الدين”، ويقول المثلُ الشعبي: (كُـل شِـيء إذا كُـتُـر بِـيِـرْخَـص، إلّا الأدَب بِـيِـغْـلَى)، لكنّ بعضَ الشباب والناشئة وربما كبار السن أيضًا كلُّهم تصميم على (سَبّ الدين)!! ولا يُدركُ أحدٌ منهم كم تَعِبَ الأوائلُ ليُظهِروه بِعَوْنِ الله، ويُوصلوه إليهم، فيتلقاه البعضُ سابًّا له، جهلًا بعظمته وقيمته!! وصدق المتنبي إذ يقول:
لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ// فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ.
ويندرج تحت هذا العنوان الذي نسعى فيه للهروب من القاع، السخريةُ والاستهزاء والتقليلُ من شأن العلماء والمفكرين والرموز المختلفة في المجالات كافة، في الوقت الذي يتنافس فيه العالَمُ الواعي بالعِلم ويُفاخِرُ بالعلماء!!
إعادةُ النظر في الأولويات ضرورة، والوعيُ بالقيمةِ الحقيقيةِ للأشياء ضرورة، و(عودة الوعي) في مفترق الطرق واجبٌ لا يُمكن إهمالُه، والاهتمامُ بهُويتنا _ التي تأثّرت _ أمرٌ حتمي، يُزرَعُ منذ الصغر ليَنْبُتَ جيلٌ يُقَدِّرُ ثقافتَه ويَحمِيها، وكما قال الشاعر:
إذا المرءُ أعْيَـتـْهُ الـمُـروءَةُ نـاشـئـًا
فـمـطـلـبـُـهـا كـَهـلًا عـلـيـه شـديــدُ.
هُويتُنا عزيزة، ولُغتُنا عزيزة، ومعرفةُ ثقافة الآخر ضرورة، والتَّرَفُ لا يكون إلا بعد أن تتعفَّرَ أقدامُنا بالتراب سعيًا في طريقِ التقدم الحقيقي، بعيدًا عن ثقافة (اِنتِشْ واِجري) التي ينتهجُها من يبحثُ عن المال في طريق (الهيافات)، و (الترندات)، ضاربًا عُرْضَ الحائط بالأدبِ والعِزّةِ والكرامةِ والكسب الحلال! يقول (عبد العزيز مصلوح) والدُ شيخ العربية في عصرنا (أ.د/ سعد مصلوح):
تَبًّا لِمَنْ باعَ الحياةَ عزيزةً* بِحياةِ هُونٍ في طِلاءٍ من تَرَفْ
إنّ الثّراءَ، وَإِنْ يَكُنْ مِلْءَ الثّرَى* هيهاتَ يُوزَنُ بالكرامةِ والشّرفْ.
ارتقُوا فقد ازدحمَ القاع!!