مقالات الرأى

د. محمد حسين أبوالحسن يكتب: إسقاط الديون والتحدى المناخى

0:00

يمثل مؤتمر قمة التغير المناخى (cop27) الذى تحتضنه مصر حاليا، فرصة ثمينة للحيلولة دون انزلاق صور الحياة على كوكب الأرض إلى حافة الاندثار والفناء، بسببتداعيات التغيرات المناخية القاسية، خلال العام الحالى وحده عاينت شعوب الأرض كوارث مناخية شديدة ومستمرة: العواصف والأعاصير، موجات الحر، حرائق الغابات، فيضانات فى دول وجفاف فى أخرى.

  وهى كوارث أفضت إلى ظواهر مفجعة مثل: نقص الغذاء واشتعال الصراعات، وسقوطالضحايا والهجرة والنزوح والفقر والآوبئة والجوائح مثل كورونا، وذوبان الجليد فىالقطبين وارتفاع سطح البحر، وانتكاس التنوع البيولوجى والنظم الإيكولوجية، بكل مالذلك من فواتير باهظة اقتصاديا وسياسيا وإنسانيا، وبات العالم بين خيارين خسارة كبيرة وخسارة أكبر.

إن الدول الغنية تتحمل المسئولية شبه الكاملة عن الأزمة المناخية، مثلما تتحمل بالقدر نفسه المسئولية الأخلاقية والسياسية والاقتصادية والتكنولوجية عن وقف التدهور وجبر الضرر، العنصر الحاسم هنا هو توفير التمويل والمساعدات بشتى أشكالها من جانب الأغنياء، الوفاء باحتياجات الدول النامية نقطة محورية على طاولة قمة شرم الشيخ. يذهب مارك كارنى، مبعوث الأمم المتحدة الخاص السابق للعمل المناخى والتمويل، إلى أن الانتقال العالمى إلى صفر انبعاثات، يتطلب من 3.5 إلى 4.5 تريليون دولار من التمويل سنويا، ما يعنى صعوبة وعبئا ثقيلا، حتى على أكبر الاقتصاديات، يأتى هذا بينما عجزالمجتمع الدولى عن جمع 100 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة، لاسيما  فى إفريقيا، فماالحل؟!.

ولأن تغير المناخ قضية تنمية، فإن كيفية نمو المجتمعات المختلفة وما تضخه من استثمارات لتلبية احتياجات مواطنيها من الطاقة والغذاء والمياه إما يزيد من مخاطر التغير المناخى أو يسهم فى الحد منه وعلاج معضلاته.. باب الفرصة مازال مفتوحا،يتمثل فى بعث أداة قديمة/ جديدة، أى مقايضة الديون بالعمل المناخى، من بين خيارات أخرى، ممكنة التنفيذ. فى ثمانينيات القرن الماضى، اختُبِر شىء مشابه على نطاق ضيق،كانت سندات (برادى) إحدى أدوات إعادة هيكلة الديون عالميا، تحت شعار مقايضات الديون مقابل الطبيعة، نظرت إليها منظمات الحفاظ على البيئة بوصفها فكرة جذابةوعملية، شراء الديون المتعثرة بأسعار مخفضة وتأمين الفاعلية لتمويل مانحيها، نجحتالفكرة جزئيا فى بوليفيا والفلبين وأوغندا. وفى عام 1992، أبرمت بولندا أكبر صفقات مقايضة الديون بالطبيعة بقيمة 580 مليون دولار، ثم تبعتها دولة (بيليز). من المؤكد أنا لتصدى للمشكلات بجهود مشتركة بين الدول والمجتمعات أمر مغر ومحفز. قضية التغيرالمناخى لا تخص دولة دون أخرى، إنها أمن إنسانى، إما ينجو الجميع أو يهلكون، إن البشرية بحاجة ملحة لضخ التمويل من الدول الغنية إلى الفقيرة الأقل نموا والأكثر عُرضة للخطر. لمواجهة التغير المناخى، يجب أن تضطلع الاقتصادات الكبرى بواجبها دون إبطاء. قالت كريستالينا جورجييفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولى، إنه من المنطقى أننسعى إلى معالجة الضغوط التى تفرضها الديون وأزمة المناخ بشكل مشترك، تتلخصالفكرة فى ترتيب مقايضات الديون الخضراء.

إن إسقاط ديون الدول النامية أو الصاعدة المثقلة بأعباء تحول بينها وبين توفير التمويل لتخفيف آثار التلوث وتقلبات الطقس، يكاد يكون رصاصة سحرية للتصدى للأزمةالمناخية وضائقة الديون المتفاقمة فى بلدان الجنوب معا، والتى تحتاج إلى توفيرالتمويل للتنمية واحتياجات شعوبها فى الوقت نفسه، بمعنى إسقاط كل الديون أو شطرمنها عن هذه الدول، أو تأجيل سداد خدمة الديون لمدة عشر سنوات على الأقل، فى حالة تعذر إسقاط الديون أو بعضها، لاسيما أن أعباء الديون المستحقة على الدول المنخفضة الدخل ارتفع 12%، ليصل إلى 680 مليار دولار فى عام 2020، فى المقابل تتعهد الدولالنامية المتلقية بإنفاق ما يوازى تلك المديونيات على تنمية الاقتصاد الأخضر وتطبيق المعايير البيئية فى الاستثمار، وإرساء الحوكمة السياسية من خلال آليات الحكم الرشيد،إلخ.. ما يوفر فرص العمل ويحد من الهجرات غير المشروعة وموجات اللجوء، بالإضافة إلى تعزيز استخدام الطاقة النظيفة، كالرياح والشمس وغيرها، وتقليل الاعتماد علىالوقود الأحفورى، والقيام بحملات مكثفة للتشجير والامتناع عن قطع الغابات، هذا وغيرهيسهم فى الوصول إلى هدف (صفر انبعاثات)، المهمة شاقة لا شك، لكن هناك ما يدعو إلىالتفاؤل، أظهرت تقارير الهيئة الدولية المعنية بتغير المناخ أن (ميزانية الكربون) العالميةاللازمة للإبقاء على الزيادة فى درجات الحرارة بفعل الاحتباس الحرارى، بما لا يتجاوز1.5 درجة مئوية تُستَنفَد بسرعة، لكن إنجاز هدف (صفر انبعاثات) أى الحياد الكربونىبحلول 2050، والحد من الاحترار العالمى، أمر مازال ممكنا، بشرط تقليل الاعتماد علىالوقود الأحفورى.

إن مؤتمر (cop27) يشكل أساسا قويا لجهود التكيف المنقذة للحياة على الكوكب، منأجل بناء مستقبل آمن للإنسانية، إن لحظة شرم الشيخ فرصة حاسمة لتحقيق تغيّرمحورى فى سياسات العمل المناخى الدولية، واختبار لمصداقية الجهود العالمية فىمواجهة التحدى المناخى، إن إسقاط الديون عن الدول الفقيرة مطلب عادل، وفى زمانهومكانه، إذ ليس من الإنصاف أن تتنكر الدول المتقدمة لمسئوليتها المباشرة والتاريخية عنالكوارث المناخية فى بلاد الفقراء، وإلا فإن على الدول النامية أن تتكتل للمطالبةبتعويضات ضخمة عن الأضرار المزمنة!.

نقلاً عن جريدة الأهرام

زر الذهاب إلى الأعلى