مقالات الرأى

بيشوى بخيت يكتب : العرب بين المبادئ والمصالح: الموقف العربي من حرب غزة

0:00

في الوقت الذي تتواصل فيه النداءات الدولية لوقف إطلاق النار في غزة، تشهد الساحة العربية حالة من التباين في المواقف بين من يتمسك بالمبدأ التاريخي في دعم فلسطين، ومن يوازن بين المصالح والتحالفات الجديدة.

تعود القضية الفلسطينية اليوم إلى صدارة الاهتمام العربي في ظل تصاعد الأحداث الميدانية والإنسانية في قطاع غزة. غير أن هذا الاهتمام يتخذ أشكالًا مختلفة، تعكس تعدد المقاربات بين الدول العربية، التي باتت تحاول الموازنة بين واجبها التاريخي تجاه الشعب الفلسطيني ومتطلبات الواقع السياسي والتحالفات الإقليمية والدولية الجديدة.

منذ اتفاق وقف إطلاق النار الأخير، يسود القطاع توتر حذر بعد أن سجلت المؤسسات الحقوقية أكثر من 129 خرقًا من جانب قوات الاحتلال، بينما تستمر مصر في جهودها الدبلوماسية لاحتواء الأزمة عبر الدعوة إلى قمة دولية في شرم الشيخ تهدف إلى تثبيت الهدنة ورسم خريطة لإعادة الإعمار.
وفي المقابل، تتزايد الاتهامات المتبادلة بين القاهرة وتل أبيب حول إدارة معبر رفح، ما يعكس حساسية الدور المصري في هذا الملف، خاصة مع الضغوط الإسرائيلية والأمريكية لتغيير ترتيبات إدارة المعبر من الجانب الفلسطيني.

على صعيد آخر، شرعت واشنطن في مشاورات مع بعض دول الخليج حول إمكانية إشراكها في إدارة غزة بعد الحرب ضمن نظام مؤقت بإشراف أمريكي، وهي فكرة قوبلت بتحفظ عربي واسع خشية الظهور في مشهد الاحتلال أو تجاوز الإرادة الفلسطينية.
وفي المقابل، عبّرت الجزائر وسوريا ولبنان عن مواقف داعمة بشكل صريح للحقوق الفلسطينية ورفض أي تسوية تمس الثوابت، بينما أكدت الأردن تمسكها بخيار حلّ الدولتين باعتباره المسار الوحيد لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.

شعبيًا، تشهد العواصم العربية موجة تضامن واسعة أعادت الزخم للقضية الفلسطينية.
من الشوارع إلى وسائل التواصل الاجتماعي، تتزايد الدعوات لمقاطعة الشركات الداعمة لإسرائيل، وهو ما يعكس أن فلسطين ما زالت تمثل قضية الوجدان العربي رغم التحديات السياسية والاقتصادية.

دوليًا، بدأت دول أوروبية مثل فرنسا وكندا وبريطانيا بالاعتراف بدولة فلسطين، في خطوة رمزية لكنها تحمل دلالات سياسية مهمة، خصوصًا بعد الانتقادات الواسعة التي وُجهت لإسرائيل على خلفية قصف المدنيين واستهداف البنية التحتية في غزة.
وفي الولايات المتحدة، ظهرت أصوات داخلية ترى أن استمرار الحرب أضرّ بمكانة إسرائيل على الساحة الدولية وأضعف مبرراتها الأخلاقية أمام المجتمع العالمي، في ظل تصاعد الدعوات للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان داخل القطاع.

تتشكّل اليوم ملامح مشهد عربي جديد تحكمه المصالح بقدر ما تحركه المبادئ. فالدول العربية باتت تتعامل مع القضية الفلسطينية ضمن معادلة دقيقة تجمع بين الالتزام التاريخي والواقعية السياسية، في ظل بيئة إقليمية شديدة التعقيد وضغوط دولية متزايدة.

ومع كل ذلك، تبقى فلسطين القضية المركزية للعرب، ومفتاح الاستقرار الإقليمي الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال سلام عادل وشامل يعيد للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة وينهي عقودًا من المعاناة المستمرة.

زر الذهاب إلى الأعلى