هاجر تهامي: نداء الغريق في صراع القطيع

لا تكن إلا نفسك، ولا تحاول أن تكون سواها؛ فحرب النفس مع النفس عبثٌ، لا غريق فيه غيرك، فالانصياع للقطيع مذلّةٌ للذات، ولن يتحمّل خسائرها أحدٌ سواك.
حالةٌ من الارتباك النفسي والجسدي، تشبه صوتَ استغاثةِ غريقٍ لا يدري سببًا واضحًا لذلك النداء؛ فلا قضيةَ حقيقية، ولا غرق.
الحقيقة أن هناك من يغرق فعلا خشية الآخرين ورغبةً في إرضاءهم بادعاء أنه يشبههم في طريقتهم في الحياة، في متعتهم، في ألمهم، وحتى في عبادتهم.
أما الآخرون، فيتعاملون بمنطق “أداء الطقوس” دون مساس بالقلب والوجدان، يستجيبون لصوت المؤذن تلقائيًا، يتوضأون ويصلّون، لكن دون أن تلمس الصلاة أرواحهم حقًا.
لا أخوض في الفرق بين من يصلي خوفًا أو فرضًا، ومن يصلي حبًا وشوقًا، لكن الباب مفتوح للتفكير في كليهما.
كثيرون يعيشون أدوارًا لا تشبههم، فقط ليُثبتوا لأنفسهم ولغيرهم أنهم “طبيعيون”، لهم نفس الاحتياجات والرغبات والحقوق والواجبات، لكن الحقيقة أنهم قد يكونون في منأى تام عن كل هذا التشابه، فهم يعيشون سلامًا خارجيًا زائفًا مع الآخرين، بينما يخوضون حربًا قاسية في داخلهم.
يريدون أن يصرخوا بوجودهم واختلافهم، لكن قطيع البشر يربك حسابات المختلف، باتهامه بعدم الوعي أو النضج أو الجهل بمجرى الحياة.
إن هؤلاء تحديدا هم من يملكون وعيًا وقدرة على تمييز الزيف من الصدق، لكن تفردهم يجعلهم طيورًا وحيدة في أعشاشهم.
أن تدّعي التشابه مع من لا يشبهك هو فعل يُؤذي روحك وجسدك في آنٍ واحد، وأن تسير عكس إحساسك لإرضاء الغير،فقط لأنهم يرون ما هم عليه “الطبيعي”،فأنت ترتكب جريمة في حق نفسك لتنال قبولًا زائفًا.
من العدل والإنصات لنعمة الخالق أن نحترم اختلافنا، لا أن نسير في ركب العامة خشية أن نبدو مختلفين، فطالما أنك لا تتألم من طبيعتك، فهذا في حد ذاته إنصات لروحك، ولا حاجة لك لتغييرها كذبًا، لأن الادعاء كذبة ستسقط يومًا ما، وتعود روحك لطبيعتها الحقيقية رغمًا عنك.
أن تنتصر في صراعك الداخلي خيرٌ من أن تخوض عراكًا خارجيًا خاسرًا لا نصرة فيه ولا مكسب.
كل روح تعبّر بطريقتها الخاصة، ولا تشبه غيرها في السعي أو الإحساس، فالتصالح مع ذاتك المختلفة هو وعي، والمحبة لها هي إيمان بنعمة التفرد.