على عبد الحميد يكتب: تأثير العولمة الاقتصادية علي وطنا العربي

يُرجع نشأة العولمة إلى جذور تعود إلى القرن الخامس عشر وهي حقبة ظهور الدولة القومية الموحدة فأن العولمة نشأت مع نشوء الدولة القومية ونشوء الرأسمالية.
ويُرجعها بعضهم الأخر إلى القرن التاسع عشر، واستمرت بالتطور ما عدا مدة ما بين الحربين العالميتين حيث أبطأت ظروف الحرب آلياتها ولكنها تسارعت من جديد في المدة التي تلت الحرب العالمية الثانية والسبب في ذلك نتيجة الانخفاض المستمر في كلف النقل والاتصالات واستقرار السلام في مراكز الاقتصاد والمال الرئيسة في العالم
وعندما خرجت دول أوروبا من الحرب العالمية الثانية منتصرة على دول المحور بدعم غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية ومشاركة فعالة منها،
ورأت أمريكا أنها دخلت حرب على غير أرضها أن الفرصة سانحة لبسط نفوذها في الخارج، ولكن ليس عن طريق الهيمنة العسكرية وإنما عن طريق القوة الاقتصادية والتقدم التكنولوجي، فقدمت لأوروبا مساعدات مالية هائلة من خلال مشروع مارشال. وفي نفس الوقت حذرت من تنامي قوة المعسكر الشيوعي، فدعت إلى إنشاء حلف الأطلسي لحماية أوروبا من المد الشيوعي.
وعندها فكرت في انشاء أيدلوجية جديدة تحقق طموحاتها السياسية والاقتصادية دون تدخل عسكري او اطلاق رصاصة واحدة فأن العولمة من الجهة أولى لأحتلال جديد دون تدخل عسكري هي نذير موت للشعوب المهيمن عليها إذ تهدّد خصوصيتها الاقتصادية عبر إدماجها في الاقتصاد العالمي ونهب ثرواتها ومواردها وإخضاعها للقوى الرأسمالية الكبرى وإلزامها بنماذج تنموية محدّدة وتهدّد خصوصيتها الاجتماعية عبر تعميق التفاوت في مستويات العيش بين جنوب العالم وشماله وتكريس الفوارق بين الأغنياء والفقراء محلّيا وعالميا إضافة إلى إثارة الأزمات الاجتماعية مثل البطالة والغلاء المعيشي والاحتكار والهجرة والتهريب ولم تكتفي العولمة بهذا إذ تمادت وهدّدت خصوصيّات الدول سياسيّا عبر مصادرة القرار السياسي الوطني وإضعاف سيادة الدول وإخضاعها لإملاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظّمة التجارة العالمية وباقي المنظّمات العالمية وخصوصيّات الدول ثقافيّا عبر غربنة وأمركة العالم أي نشر نظم عيش وتفكير المجتمعات الغربية حول العالم وتكريس التماثل والتجانس على نطاق عالمي بإشاعة ثقافة استهلاكية موحّدة تهدّد التنوّع الثقافي وإضعاف تأثير القيم الإنسانية داخل المجتمعات الغربية والعربية ليحلّ الاستغلال محلّ التضامن والاستعباد الناعم محلّ الحرّية والاستهلاك محلّ الإبداع وثقافة، إضافة إلي سَلْعنة القيم الكونية بجعل حقوق الإنسان والحرّية والعدالة والكرامة سلعة عابرة للحدود واستخدامها انتهازيًا لابتزاز الشعوب الأخرى وحتّى شنّ الحرب عليها.
بينما ينظر المغيبون إلي ان العولمة هي العصي السحرية للوصول الي التطور التكنولوجي والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية بينما هي عكس المنتظر منها تهديد مزدوج للخصوصية ، والكونية تبشّر بنظام عالمي بلا ضمير وبلا ألوان ثقافية تحكمه “ديانة توحيدية جديدة هي ديانة السوق” كما يقول غارودي.
ومن هنا؛ فإن العولمة بدأت آثارها تظهر في الأفق، إلا أن موضوعها لا يزال صعب التحديد، ويصعب وضعه في إطار منهجي محدد فالعولمة عملية تاريخية تحاول أطراف مختلفة أن تدفع بها إلى طرق مختلفة وإن كانت ترمي في النهاية إلى هدف واحد.
وهي في مفهومها كما تدل الصياغة اللغوية ذات طابع يشير إلى عملية مستمرة من التحول والتغير
فعندما نقول: عولمة النظام الاقتصادي، أو عولمة النظم السياسية، أو عولمة الثقافة، فإن ذلك يعني تحول كل منها من الإطار القومي ليندمج ويتكامل مع النظم الأخرى في إطار عالمي مُصنع.
والعولمة كمفهوم متطور لا سبيل إلى التحقق من الوقت الذي ستصل فيه إلى منتهاها لتصبح نمطا « استاتيكيا » مستقرًا، ولذلك ينظر إلى العولمة في مفهومها العام على أنها اتجاه متنام يصبح معه العالم دائرة اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية واحدة، تتلاشى في داخلها الحدود بين الدول وفي ذلك يرى أن «العولمة هـي التداخل الواضح لأمور الاقتصاد والاجتماع والسياسة والسلوك، دون اعتداد يذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة، أو انتماء إلى وطن محدد أو إلى دولة معينة»