مقالات الرأى
حازم البهواشي يكتب: المُهذَّب مُعذَّب!!

0:00
شكى لي صديقي الملتزم بمواعيده من أنه _ في السابق _ حين يكون له طلب في مصلحةٍ حكومية كان يذهب قبل الثامنة صباحًا بثلث الساعة اعتقادًا منه أن الموظفين يكونون في خدمة الجمهور في تمام الثامنة، وهو يحب أن يُنجز عمله مبكرًا، ليظل اليومُ ببركته، يستطيع أن ينجز الكثير من العمل فيه!! قبل العاشرة في الغالب لا يمكنك قضاءُ مصلحة، وحتى الموظف الذي يحضر قبل هذا الموعد يكون مشغولًا بتحضير طعام الإفطار وعمل الشاي!! يعترف صديقي أنه عذّبَ نفسه كثيرًا على أمل أن ينصلح الحالُ يومًا، لكن هذا اليومَ لمَّا يأتِ بعد!! يقول صديقي: إنني أحترم مواعيدي، وحين أتفق مع شخص على موعد وليكن السادسة مساءً مثلًا، فإنني أحرص ألا تشير عقاربُ الساعة إلى بعد هذا الموعد ولو بدقيقة، لكني أنتظر (وأعاني العذاب ألوان) من فرط الانتظار، ويأتي الشخص بعد ساعةٍ على الأقل ويقول: (هي الدنيا طارت؟! ستة من سبعة مافرقتش)!! فأرُد: الوقت هو عمرك، وهل هناك أغلى من عمرك الذي تكون مستعدًا لدفع مبالغ طائلة إن أخبروك _ وأنت مريض _ أن علاجك في الخارج، فتذهب على أمل الشفاء وتدفع لتعيش ساعاتٍ وأيامًا أُخر؟!! يشكو صديقي من تطاول الناس على بعضهم البعض _ وعليه إن كان في موقف يستدعي ذلك _ بالألفاظ البذيئة السوقية، ويتساءل: هل الأدب وحفظ اللسان أصبح عُملةً نادرة؟! ألا يستطيع الناس التفاهم في المشكلات دون تطاول؟! إن ديننا أمرنا أن نختار أحسن الكلام وليس الحسن فقط “وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ … ” (الإسراء _ 53) فأين منا هذه الآية وغيرها من كلام المولى _ عز وجل _ ؟! يقول صديقي: يظن الناس أن (طول اللسان) شطارة، ولا يعلمون أن الشطارة الحقيقية في حفظ اللسان والقدرة على كظم الغيظ والغضب!! لكني أشعر بالعذاب حين أمسك لساني ولا أُمضي غضبي، وأحيانًا يتهمني من معي بالضعف، لكنني أرى نفسي قويًّا في كل مرة أستطيع أن أملك نفسي عند الغضب، فلا أسايرهم فيما يفعلون، ضعيفًا إن استطاعوا أن يجروني إلى ملعبهم ملعب البذاءة، وبالتأكيد هم الفائزون لأنهم محترفون!! وسيزداد عذابي بما أسمع من سَبٍّ لا أقدر على مجاراتهم فيه، إنها مباراة من طرف واحد، أكون فيها ضيف شرف، في لقاءٍ لا يعرف الشرف!! قال صديقي: من واقع التجربة: (القبيحة ست جيرانها) كما في المثل الشعبي!! قلتُ: لكن تجربةً أخرى أثبتت أن (حُسن الأخلاق وسع في الأرزاق) كما يقول المثل الشعبي أيضًا. قال صديقي: في دنيا الناس، (المُهذَّب مُعذَّب)!! قلتُ: صدقتَ، ولكن عند رب الناس، (المُهذَّب مُقرَّب).