مقالات الرأى

هاجر تهامي تكتب: أنا الضحية.. فمن الجاني؟

0:00

أبحث عن الظالم حولي لا أجده!.. الجميع حولي يرفعون راية المظلومية، فأين الظالم؟

أنظر يمينًا ويسارًا لأسمع اعترافًا واحدًا: “أنا ظالم”، “أنا تجاوزت بحق فلان”، “أخطأت بهذا التصرف”، “ارتكبت جرمًا أضر بغيري”، أو حتى: “بغير قصد تسببت في مشكلة”.
لم تلمس أذني يومًا مثل هذه الكلمات، حتى على سبيل التورية، وكأن العالم من حولي مليء بالأبرياء فقط.

وبما أن هذا هو حال من حولي، فإذن أنا الظالمة! ويسعدني أن أكون شريكة في الخطأ، خيرٌ من أن أتبرأ منه وأكون فاقدة للأهلية، مسلوبة الإرادة والعقل، فأنا ممتنة لذلك الوعي الذي يقودني للاعتراف بخطئي وبشراكتي في علاقة خسرنا بها بقدر ما سعدنا.

فالادعاء بأن “فلان استغلني” أو “أفسد مستقبلي” لا يعني سوى أمر واحد: أنني كنت تابعة بلا عقل ولا وعي، يقودني حيث يشاء ويستنزف هويتي، فيرتكب بحقي جرائم الظلم، وهنا فقط أستطيع أن أقول إنني مظلومة.

المعتاد أن يعيش الناس دور المظلومية؛ فكل من مرّ بك، عابرًا كان أو مقيمًا، يحاول إقناعك أنه المظلوم، رغبةً في تعاطفك وانحيازك، فتقيم الحد على “الظالم” بقطيعته من باب التبعية.

لكنني منذ سنوات نضجي لم أعتد أن آخذ موقفًا بالإنابة، أيا كان المظلوم أو الظالم، فلا أريد أن أكون شاهدًا أعمى لمجرد قرب السارد من منطقتي، فلا يمكن أن تتكون صورتي عن شخص أو مكان من خلال تجربة أحد غيري.

وحدها نفسي هي من تجتهد لترى، وتسمح لنفسها أن تعيش حتى تتضح الأمور بمميزاتها وعيوبها، حتى وإن كانت المحصلة خسارة فادحة.

قد يغضب منك أحدهم لامتناعك عن مقاطعة الآخر تحت بند “المظلومية”، معتبرًا أنك خذلته، فكثيرون يؤمنون بعداوة التبعية، ويظنونها قمة الوفاء: “عدو حبيبي عدوي”.

لكن الحقيقة أن ما يفعله رفيقي مع الآخرين ليس بالضرورة أن يفعله معي، وما يفعله “الظالم” معهم قد لا يفعله معي، المسألة نسبية. يكفيني فقط في مثل هذه الحالات التعاطف والمساندة على التجاوز، دون أن أكرر رد فعل من يدّعي المظلومية.

والقول بـ”الادعاء” هنا لا يعني اتهام المظلوم بالكذب، لكن كل ما يدخل في دائرة الظن يظل من وجهة نظري مجرد “ادعاء” حتى يطالني الأمر بنفسي.

قد يجيبني أحدهم: “نقلت لك التجربة خوفًا عليك وتجنبًا للألم، جئتك من بعيد بخبرتي لتتفاديها”، وهنا الخطأ بعينه: أن يقنعني الآخر بتجنب الأمر كله من باب تجربته هو، بعقله هو، لا بعقلي أنا، لكن يمكنني فقط أن أكون حذرة إلى أن يثبت صدق الادعاء أو زيفه، لكن لن أعيش بتجربة غيري خوفًا من أن أحلّ محله فأدخل من أوسع أبواب المظلومية.

لا حصانة من الألم ولا ضمانة مطلقة، حتى إن كنت تعيش بعين وتجارب الآخرين، لا ميزان واحد تقاس به الحياة.

زر الذهاب إلى الأعلى