مقالات الرأى

راندا الهادي تكتب: هل القانون الدولي، دولي؟!

0:00

عندما كنا طلابًا في الجامعة درسنا مادة القانون الدولي على يد أستاذنا الدكتور أحمد أبو الوفا، أحد أشهر فقهاء القانون الدولي ، وعرفنا تمام المعرفة ماهية وجود سفارة لدولتك في دول العالم المختلفة ومكانتها ، لذا فور متابعتي لما تتعرض له السفارات المصرية من ممارسات مشينة في بعض الدول ، قفزت إلى الذاكرة المعلومات التي أطّلعنا عليها بين جنبات هذه المادة وهي ( القانون الدولي ) خاصة الصفحات التي سطرت عن ماهية السفارات والترتيب الدبلوماسي للعاملين بها والحماية الأمنية لتلك الهيئات الدبلوماسية ، فضلا عن العبارة التي لا أنساها للأستاذ الدكتور أحمد أبو الوفا عندما قال : سفارة بلدك هي جزء من أرض بلدك في الخارج ، وأي اعتداء عليها هو اعتداء على مصر نفسها .

وفقا للقانون الدولي المنظم لعمل السفارات ، على الدولة المضيفة توفير الحماية الأمنية اللازمة لأي سفارة أجنبية موجودة على أراضيها ، وحال ما إذا تم الاعتداء على السفارات ولم توفر الدولة المضيفة الحماية اللازمة، هناك عدة إجراءات يمكن اتخاذها، سواء بشكل ثنائي أو من خلال الأمم المتحدة والمنظمات الدولية .
تبدأ تلك الإجراءات بالتشاور السياسي مع الدولة المضيفة لرفع التأمين والحراسة، ثم التصعيد بتقديم احتجاج رسمي للدولة المضيفة باعتبار عدم التأمين اللازم موقفا سياسيا غير مبرر، وطلب اتخاذ تدابير فورية لضمان أمن السفارة وموظفيها.

و حال عدم الاستجابة، يمكن تطبيق المعاملة بالمثل مع التمثيل الدبلوماسي لتلك الدولة على أراضي الدولة المشتكية، أو تصعيد الأمر وتقديم تقرير احتجاجي للأمم المتحدة ومؤسساتها المتخصصة المعنية، بشأن خرق الدولة المضيفة لاتفاقية فيينا المنظمة للعلاقات الدبلوماسية.
هل يتوقف هنا التصعيد من قبل الدولة المشتكية ؟ لا ، بل وفقاً للقرار السياسي، يمكن التصعيد تبعًا لما تراه الحكومة الموفدة والذي يُحدد بناء على مدى استجابة الدولة المستضيفة لمطالبها . ويكون التصعيد تدريجياً، قد يصل إلى تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي أو حتى قطع العلاقات الدبلوماسية إذا رأت الدولة الموفدة أن رفض الدولة المستضيفة لتأمين سفارتها يشكل موقفاً سياسياً معادياً لها .

إذن الاعتداء على سفارة مصر في أي دولة غير مقبول ، ومن هنا جاءت توجيهات وزيرة الخارجية واضحة وحازمة للسادة السفراء بأهمية التعامل بحسم وشدة مع تلك التصرفات الشاذة ، فضلا عن تحرك الخارجية لتصعيد موقفها تجاه الدول المتراخية عن حماية سفاراتها .

الدبلوماسية المصرية لها تاريخ عريق وعلامات في حافظة الأزمات الدولية المختلفة التي خاضتها منطقة الشرق الأوسط ، ومن يحاول التقليل من هذا الدور أو المساس به يعد خائنًا لوطنه ، لذا تصرف تلك الفئة المعتدية على سفارات مصر سواء في لاهاي أو نيويورك مؤخراً ، يعد هدمًا وتخريبًا وليس حرية رأي ، وبالنهاية لا اعتقد أن القانون الدولي دولي فعلا ، فهو لا ينسحب على كل دول العالم ، وهنا أقدم كل التحية والتقدير لأستاذي الدكتور أحمد أبو الوفا القائل : أن القانون الدولي يقوم على ظلم الضعيف ومناصرة القوي، وأن العالم عبارة عن غابة، يفترسون فيها الضعفاء.

زر الذهاب إلى الأعلى