أحمد فرغلي رضوان يكتب : البحث عن خريطة طريق للإعلام..تصالح الجمهور !

كثيرا ما كان يفاجيء الرئيس الإعلاميين بمداخلة في برنامج ما أو تصريح على الهواء في مناسبة عامة وغالبا ما يكون نقدا وعتابا سلبيا للإعلام وأوضاعه الملتبسة، هذه المرة الحديث حول وضع الإعلام كان خلال اجتماع ضم مسؤولين رسميين ومن بين ما جاء لنا حول هذا الاجتماع هو تأكيد الرئيس السيسي على حرية الرأي والتعبير من خلال إعلاء حرية التعبير واحتضان كل الآراء الوطنية ضمن المنظومة الإعلامية المصرية، وكذلك طالب الرئيس باتاحة البيانات والمعلومات للإعلام خاصة في أوقات الأزمات،كلام رائع وهام ولعله بداية مرحلة جديدة للإعلام المصري العريق.
بالتأكيد تقدم الإعلام ونجاحه هو مسؤولية مشتركة بين الدولة ووسائل الإعلام، من جانب الدولة يجب منح وسائل الإعلام الحرية ورفع سقف مناقشة القضايا والمشكلات العامة دون حرج أو قلق من المحاسبة ومن جانب وسائل الإعلام ضرورة التحلي بقدر كبير من المسؤولية عند مناقشة قضايا محلية أو إقليمية.
وهنا أشير لأحد أبرز انتقادات الرئيس السيسي للإعلام وذلك عام 2017 خلال جلسة حوارية في مؤتمر الشباب بشرم الشيخ عندما قال “هناك دول فقدنا حميمية العلاقة السياسية معها نتيجة خروج أخبار من مصر تسيء للعلاقات معها ” .
ومرة أخرى طالب الإعلام بالحديث ومصارحة المواطنين بمشكلات داخلية وقال ” اتكلموا ليه ما بتتكلموش وتقولوا للناس الحقيقة ، خير ان شاءلله” .
بالطبع هناك عدد من الإعلاميين خاصة عبر بعض برامج التوك شو تاخذهم أحيانا الحماسة الغير منضبطة في توجيه انتقاد ولوم لدول بعينها دون حساب تبعيات ما يقولون على الهواء، أو بالمثل عند مناقشة مشكلات داخلية تأجج من غضب الجمهور ،وأحيانا لا يعرفون كيف ممكن أن تصل المعلومة أو يتم مناقشة مشكلة أو أزمة داخلية فيحدث ارتباك في المحتوى.
ولذلك أكرر حرية الرأي والحفاظ على استقلالية وسائل الإعلام وحمايتها هو مسؤولية مشتركة بين الدولة ووسائل الإعلام.
لا يخفى على أحد تراجع تأثير وسائل الإعلام المصرية محليا وإقليميا رغم حجم الانفاق الكبير في السنوات الأخيرة ! بالتأكيد هناك خطأ ما في إدارة تلك الوسائل حيث فشلت في تحقيق الغرض منها، ولم تستطع مجاراة وسائل إعلام إخبارية أخرى في المنطقة في السبق والانفراد والتحليل وكذلك وقفت عاجزة في الدفاع عن السياسة الخارجية المصرية! وهي تكال لها الإتهامات ليلا ونهارا !
جزء من عدم التأثير لوسائل الإعلام تلك هو غياب المصداقية وهو ليس وليد الفترة الحالية ولكنه بدأ يتكون عقب أحداث يناير 2011 حينما تبدلت الأراء بين عشية وضحاها من الإعلاميين المسيطرين وقتها على الشاشات الرئيسية حيث وجد جمهور المشاهدين هؤلاء الإعلاميين تتبدل وتتأرجح أراءهم أكثر من مرة خلال تلك السنوات فكان طبيعي أن يفقدوا مصداقيتهم لدى الجمهور ولذلك أتعحب من البحث عن بعضهم الآن لإعادة “تدويرهم” من جديد ونعيد تكرار ما كان يقدموه للجمهور منذ سنوات !! في الحقيقة هو عجز عن الابتكار والإبداع ومواكبة التطور والاقتراب من مزاج المشاهدين حاليا.
الجمهور يحتاج خريطة إعلام “تصالحه” وتعيد بناء المصداقية والثقة معهم من جديد، وليس وجوه شهيرة فقط وخاصة إذا كان على تلك الوجوه جدلا كبيرا وعلامات استفهام لتذبذب المواقف وما أكثرهم ، هي مهمة صعبة تحتاج لأبحاث عن أراء المشاهدين واستقصاء للأراء وليس اعادة تدوير الوجوه القديمة وفرضها على الجمهور ” يبدو لي هو الحل الأسهل والأسرع من جانب المسؤولين “.
في رأيي الخريطة وتطويرها يحتاج لبرامج إخبارية في المقام الأول لتكون هي مصدر الخبر وغير مقبول أن يوجد خبر عن حدث محلي يبحث عنه المشاهدين في محطات إخبارية عربية! يجب أولا عودة السيطرة على الأخبار ومصادرها بمصداقية وشفافية ، كاميرات أخبار في كل محافظات مصر تنقل الخبر للجمهور وتكون قريبة من المشاهدين لحل مشاكلهم وطمأنتهم ، كذلك الاهتمام بالأخبار العربية والعالمية بالسبق والتحليل كل ذلك يجب أن يكون من خلال التليفزيون المصري “ماسبيرو” وقنواته الاقليمية التي تراجعت واختفت وبعد أن كانت الفضائية المصرية والنيل للأخبار قنوات رائدة في العالم العربي اختفت تماما من خريطة المشاهدين ! وهنا أشير لخطأ الحكومة بدلا من إعادة تأهيل وهيكلة تلك المحطات مرة أخرى تم انفاق أموال على فضائيات خاصة عامة وإخبارية جديدة ! والتي لم تحقق الغرض الجماهيري منها سوى بث مسلسلات وأفلام للترفيه وخسائر بالملايين واعتقد أن “بيعها” وعدم تحمل الدولة لاداراتها المالية سيكون قرار جيد مع الاشراف فقط على محتوى تلك القنوات وضبطه والانفاق الحكومي فقط على التليفزبون المصري المليء بالكوادر والعاملين وإعادة تأهيله وتطويره من جديد لمواكبة تطورات المشاهدة ، على سبيل المثال كيف لا يكون هناك حتى الآن تطبيق للبث بأسم ماسبيرو مثل التطبيقات العرببة والأجنبية والتي تستحوذ على ملايين المشاهدين يكون عليه أعمال ماسبيرو الحالية وتراثه الهام ؟! وكذلك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل جيد وفعال في بث المحتوي، للأسف التليفزيون المصري تم اهماله كثيرا بحسابات وتقديرات خاطئة، والآن نبحث عن عدد من الوجوه لتقدم برامج حكايات وتوك شو هل هذا ما يبحث عنه المشاهدين؟!
كذلك هناك قياس هام للمرحلة القادمة للإعلام وهو كيف سيتم استيعاب أصوات المعارضة في الداخل والسماح لهم بالظهور ومناقشة الأوضاع السياسية والإجتماعية والإقتصادية بكل شفافية ، سقف حرية الرأي هو ما ينظر له في الخارج بعين الاعتبار ويجب منافسة من يظهرون خلال بعض الفضائيات من دول خارجية في سقف حرية الرأي..فهل نستطيع ؟
أخيرا لن أتحدث عن طرق وكيفية اختيار القائمين على إدارة المحطات الخاصة في السنوات الماضية وما حدث بها من عدم شفافية ومجاملات ،السوشيال ميديا مليئة بالقصص المسيئة، نرجو أن يتم معالجة ذلك والبعد عن الأهواء الذاتية في اختيار العاملين والمسؤولين، وصل الحال لاختيار مدراء لمجرد كتابة تعليقات مديح للمسؤولين مثل النموذج الذي كان يظهر في الأفلام السينمائية ويستقبل المدير بقصيدة شعر !!
كذلك هناك كارثة اعلامية أضرت بسمعة الإعلام المصري من خلال محطات خاصة من نوعية أخرى وهي المحطات المجهولة والتي تبيع ساعات هواء فتجد عليها أشخاص يقدمون محتوى غير مناسب إطلاقا وبها أخطاء بالجملة أخلاقيا واجتماعيا ونجد كل فترة قرار ايقاف أو لفت نظر أو غرامة يتم تطبيقها عليهم!! وأصبح هناك سوق إعلامي موازي يقدم بضائع رديئة من خلال تلك المحطات.
وبالمثل هناك انفلات في سباق نقل الأخبار عبر المواقع الصحفية حتى لو كانت ضد قيم المجتمع من أجل اللحاق بالتريند ! مثل تناقل اخبار فتاة مجهولة لديها تهم أخلاقية لدرجة أزعجت الجمهور الذي تعجب من تناقل اخبار كهذه عبر مواقع صحفية كبرى ! المشهد الإعلامي به عدم انضباط عموما.
الآن هل هناك نية صادقة لتطوير الإعلام ؟ الجمهور ينتظر خريطة تصالحه.