الدكتورة حنان عيد تكتب : (ومن الحب ما قتل ؟!)

وللمقولة قصة “وهي حكمة شهيرة نُسِبت إلى الشاعر الأصمعي، حيث التقى ذات يوم مع شاب عاشق ولكنه يائس.
وتطرق إلى الحديث معه وبعد الكثير من الوقت والجدال بينهما يأس الأصمعي من نصحه وأدرك أن الشاب يعيش ألماً شديداً ولا فائدة من نصحه .. فكتب الأصمعي له أبياتاً أصبحت فيما بعد حكمة ومثلاً شهيراً اختتم به النصيحة فقال له: “إذا لم يجد الفتى صبراً لكتمان أمره فليس شيء سوى الموت ينفع، سمعنا أطعنا ثم مُتنا فبلغوا سلامي إلى من كان للوصل يمنعُ”.
ومن هنا جاءت الحكمة الشهيرة “ومن الحب ما قتل” حيث أن الحب الشديد قد يقود الشخص إلى سلوكيات مدمرة قد تؤدي إلى هلاكه.
هذا بالنسبة للحب بين العاشقين حب الفطرة .. ولكن ماذا عن الحب الآخر .. حب الجمال قولاً وفعلاً .. حب التبادل في الاحترام والقيم والاهتمام والذوقيات والتربية ومراعاة شعور الآخرين وغيرها .
هناك مقولة معناها “إذا زاد الشئ عن حده انقلب إلى ضده”
والأمثلة كثيرة منها كلما زاد التمسك بتقاليد وعادات عتيقة يتوارثها الأجيال حتى لو كانت ضارة .. كلما خرج جيل عقيم الفكر وعدم قبول الآخر .. كلما زاد تحكم الوالدان في الأبناء وإحكام التربية لدرجة الاختناق بحجة الحب والخوف عليهم ..
كلما ضاق الخناق وخرج الأبناء من عباءة الوالدين لعباءة أخرى لا ندري خير أم شر .. كلما تركنا حرية مفرطة لهم وزاد التدليل وعدم المحاسبة وتلبية كل الطلبات .. كلما زاد الانفلات وعدم الاهتمام بكل تعاليم الدين والقيم وانتشرت المحاكاة والفذلكات الغريبة عن مجتمعنا.. كلما اتجهنا إلى المغالاة في التبجيل والتعظيم والموافقة على الرشوة والابتزاز وغض الطرف عن كل سلبيات سواء في العمل أو أي مكان .. كلما زاد الفساد واستفحل وتجذر .. كلما تحول التعليم إلى سلعة وحب للاستثمار لمن يدفع أكثر وذهب الضمير بالمؤسسات التعليمية .. كلما غاب العقل والابتكار وذهبت الأخلاق وانعدمت فأصبحت مؤسسات خاوية لا تربية ولا تعليم .. كلما انتشرت مقولة أنت حر ما لم تضر .. واختفى احترام الطريق وأداب الأماكن العامة من الصغير والكبير .. عندئذ لا أمل ولا تفاؤل لجيل بأكمله .
الخلاصة: أن التقاليد تأتي من التقليد من جيل لجيل سبقه في كل شئ .. أما العادات لا تقليد فيها .. بينما القيم هي الثابتة من جيل لجيل في كل الأديان .. وكل من العادة والتقليد قيم تكاد تكون مرفوضة وسيئة ..
وقد أقر الإسلام وكل الأديان الحسن منها وجعلها دستوراً يعمل به مثل الكرم وحسن القول والمعاشرة بالمعروف ومحاكاة أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم قولاً وفعلاً .. بينما نبذ السيئ منها مثل عادات الوأد للبنات والتفاخر بالحسب والنسب ولكن إذا تعارضت عادة مع الشريعة، فالشرع هو المقدم، ووجب ترك العادة، فدين الإسلام شامل كامل .
إذاً المغالاة في حب شئ والتمسك به والتعبير عنه بطرق لا تليق غير محبب ويذهب بنا إلى طريق آخر .. فعندما تنادي بتطبيق عادة وتقليد انتبه للسلوك الذي تتبعه ولمن تنصحه .. فلم يخلق الله الناس استنساخ ولكن بعقول وسلوكيات وفي مجتمعات مختلفة .. وعندما نخرج إلى المجتمع فعلينا مراعاة شعور الآخرين .. فكل مكان وزمان له احترامه وتقديره صغيره وكبيره فعل وقول .. فالتربية المتعولمة ليست تنوير واتيكيت ولكنها بدون مراقبة ومحاسبة ونصح ستصبح تقليد وبذاءة وعدم تربية وظاهرة غريبة على المجتمع رغم شهرتنا ونعتنا بالتدين والدين والطيب من القول والفعل .
فانتبهوا أحبابي من الحب العاصف الذي قد يودي بحياة المحب ومن يحب ٠










