مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: عنِ العربيةِ سألوني

0:00

في حُبِّ اللغةِ العربية يكتبُ كثيرون، وبها يتحدثُ كثيرون يصلُ عددُهم لنحوِ نصفِ مليار نسمة، لكنك تقفُ إجلالًا حين تطالعُ قولَ اللهِ _ عَـزَّ مِن قائِل _ عن كتابه المهيمن: “بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ” (الشعراء _ 195).

عرفتِ العربيةُ لهجاتٍ متباينةً مليئةً بالغريب، فلما نزل القرآنُ بلهجةِ قريش، أقرَّ العربُ بروعةِ كلامِه وإعجازِ بيانه، فاقتربوا من لهجةِ قريش، وأصبح لهم لهجةٌ فصحى يجتمعون عليها، فقد “كانت قريش أجودَ العرب انتقاءً للأفصحِ من الألفاظ، وأسهلِها على اللسانِ عند النطق، وأحسنِها مسموعًا وإبانةً عما في النفس”. كما نقل “جلال الدين السيوطي” (849هـ _ 911هـ) في كتابه “الاقتراح في علم أصول النحو”، ويرى “ابن خلدون” (732هـ _ 808هـ // 1332م _ 1406م) (أن الأدبَ العربيَّ بعد نزولِ القرآن أصبح أعلى طبقةً في البلاغة، وأذوقَ مِن كلامِ الجاهليةِ في المنظوم والمنثور). ويقول “مُصطفى صَادق الرَّافعي” (1880م _ 1937م): (كانتِ اللغةُ العَربيَّةُ مَمْلَكَةً بِلا حَاكِمٍ حتَّىٰ جاءَها القُرآن).

نعم، يظلُّ القرآنُ هو الحارسَ الأمينَ للعربية يمنعُ عنها عواملَ الاندثارِ والانحسار، في ظل توقع اليونسكو اختفاءَ نصفِ لغات العالَمِ المنطوقة مع نهاية القرن الحادي والعشرين؛ إذ إن (40%) من البشر لا يتلقَّوْن تعليمَهم بلغتِهم الأم. لكننا لا يمكننا الاعتمادُ فقط على كلامٍ بلا عمل، فأهلُ العربية مطالبون بزيادةِ حضورها في المجالات كافة، وغنيٌّ عن القول: إن اللغةَ تتقدمُ بتقدم أهلِها، وتتراجعُ بتراجعِهم العلمي والثقافي، ولك أن تتخيلَ أن المحتوى العربيَّ على الإنترنت لا يتجاوز (1٪؜) حسب دراسةٍ للأمم المتحدة، بينما يُشكل المحتوى الإنجليزي (58%)!! وتتفوق الإنجليزية في القدرة على الانتشار؛ فهي مقرونة لدى الشباب بفرص العمل وجودة الحياة، كما أنها لغةُ العِلم والدوريات العِلمية الأولى، “وكم عزَّ أقوامٌ بِعِزِّ لُغَاتِ”!!

وتعالَوا معًا نعيش بعضًا من جمال العربية:

_ في السرور يمكنك أن تقول: (وردَ عليّ مِن أمرِ فلانٍ ما سَرَّني، وأفرحَني، وفرَّحَني، وأجذَلني، وأبهَجني، وأبلَجَني، وحَبَرني، وبَشَرَني، وشرحَ صدري، وأثلجَ نفسي، وطيَّب قلبي، وأقرَّ ناظِرَي).

_ وفي الحُزن تقول: (قد ساءني ما كان من أمرِ فلان، وغَمَّني، وحَزَنَني، وأحْزَنَني، وشَجَاني، وشَجَنَني، وأشجَنَني، وعزَّ عليَّ، وشقَّ عليَّ، وعظُمَ عليّ، واشتدَّ عليَّ).

_ وانظرْ إلى هذه الجُمل التي تُقرأ حروفُها من اليمين إلى اليسار، وتكون هي ذاتها إذا قَرأتَها من اليسار إلى اليمين: (سر فلا كبا بك الفرس)، و (دام علا العماد)، و (كمالك تحت كلامك)، وكذلك جملة (مودته تدوم)!!

_ ومن جميل استخدام القرآن الكريم للألفاظ في قوله تعالى: ” فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ … ” (البقرة _ 230)، قال العلماء: لماذا قال: (زَوْجًا غَيْرَهُ ۗ) ولم يقل: (زَوْجًا آخَر)؟! وذكروا في الإجابة عدةَ أسباب أختار منها: أن كلمة (آخر) تدل على نهاية المعدودَين الاثنين، كما في سورة يوسف: “وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ … ” (يوسف _ 36)، أما (غيره) فتُطلق على واحدٍ من عدد كثير، فهي تختار من بين رجال كثيرين! كما أن في وصف الزوج بلفظ (غيره) تنبيه للمرأة أن تُراعيَ عند اختيارها الزوجَ ألا يتصفَ بصفات الزوج الأول مما أوقع بينهما الخلاف!!

لغتَنا الجميلة: سلامٌ عليكِ يومَ أعزَّكِ اللهُ بحَمْلِ كتابِه الكريم “… لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ” (الأحقاف _ 12).

زر الذهاب إلى الأعلى