راندا الهادي تكتب : الميراث يضيع!

مثل الذي استفاق فجأة من غيبوبة وصدمته لحظة إدراك لما هو مقبل عليه ، هذا هو حال العالم الغربي اليوم معإدراكه لمخاطر استخدام الأطفال لمواقع السوشيال ميديا ، ولكن هذه الإفاقة كان ثمنها غاليا ، فقد أدرك الغرب تأثير تلك المواقع على الصحة النفسية للأطفال ، فضلا عن إضراره بوظائف المخ الأساسية كالتركيز والذاكرة والفهم والاستيعاب ، أضف إلى ذلك ما أورثته السوشيال ميديا للأطفال من مشاكل وأزمات إجتماعية خاصة بالتواصل مع العالم والمحيطين .
وما لم يكن يتوقعه البعض عشرات الأطفال حول العالم الذين فقدوا حياتهم في تحديات تنافي المنطق تعرضوا لها عبر مواقع التواصل المختلفة ، مثل تحدي كتم الأنفاس ، أو إحداث قطع بآلات حادة في الجسم ، وغيرها من الدعوات الكارثية للإضرار بالنفس والغير .ش
ولكن كما يقولون : أن تأتي متأخرًا أفضل من ألا تأتي على الإطلاق ، حدث الإدراك واتخذت دول مثل استراليا قرارات حاسمة لإبعاد الأطفال دون سن السادسة عشر عن هذه المواقع ، حتى أن مسئوليها لم ينتظروا بدء عام جديد لفرض هذه القرارات ، وكأن مسئوليها أدركوا تأثير كل دقيقة تمر على أطفالهم أمام السوشيال ميديا ، وفي تحرك مماثل صوّت البرلمان الأوروبي على قرار يحث الدول الأعضاء على تبني حد أدنى لسن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي دون موافقة الوالدين يبلغ ١٦ عامًا ، مع ضرورة تفعيل آليات تحقق قوية من الهوية والعمر ، أما فرنسا فقد أقرت قانونًا يُلزم المنصات بالحصول على موافقة الوالدين لإنشاء حسابات للقاصرين.
كما تتجه ماليزيا لفرض حظر مشابه لمن هم دون 16 عامًا، انطلاقًا من مخاوف تتعلق بالاحتيال والاستغلال الجنسي والتنمر الإلكتروني ، وكشفت مصادر إعلامية عن تحرك لدول أخرى مثل الدنمارك و إندونيسيا ونيوزيلندا .
إذن ؟ ، أين العالم المسلم والعربي من هذا التحرك ؟! ألا تعزّ عليكم هذه الأجيال الضائعة بين مواقع تقدم محتويات مدمرة بدون رقيب ، ألا تغريكم هذه الحماسة الغربية للحفاظ على شبابها أو بالأحرى مستقبلها؟ ، ما هذا الثبات العميق!! فقد ولّى زمان أهل الكهف ، ويظلنا الآن عصر تحكمه السرعة والتطور اللامحدود ، لا مجال لتقييم أوضاع أو دراسات جدوى ، الهزيمة في مثل هذه المعارك هزيمة عقول يتم تخريبها بشكل ممنهج من محتويات أغلبها موجّه والباقي يحمل من الركاكة ما تنوء به النفوس .
فلتتحرك منظماتنا الإقليمية والعربية بقرار مانع جامع يقنن تعرض أطفالنا وشبابنا لهذه المواقع ويعيدهم مرة أخرى للطريق القويم ، خطوة تستطيع الأسر أن تبني عليها أسس تربية صحية لهذا الجيل والأجيال القادمة ، أليسوا ميراث الأمة الحقيقي ؟!! .










