عماد عبد المحسن يكتب: الأبيض والأسود يليقان بنا

عيناك أمام التلفزيون، أو أذناك بجوار الراديو، في الحالتين هدوء يغلف الأجواء، لا صخب، لا ضجيج، لا شيء يؤذي العينين أو الأذنين.
كان كل شيء بالأبيض والأسود، اللونان المحببان إلى قلبي، حتى الراديو كان يُرى بالعينين، مسلسلات إذاعية وأخرى تلفزيونية، أغنيات لكبار المطربين والملحنين والشعراء، أصوات إذاعية نادرة، برامج ثقافية واجتماعية وتربويّة، كبار الممثلين يصولون ويجولون في أفلام سينمائية، مسلسلات درامية، عروض مسرحية، نشرات أخبار بلغة فصحى بليغة.
أين نحن الآن؟!، أين صرنا؟!
نحن الآن نعيش الصخب الإعلامي والفني، نسمع ضجيجا ولا نرى طحينا، شاشات تعرض برامج خالية من الدسم المعلوماتي والثقافي، أعمال درامية متشابهة لا جديد فيها إلا ما ندر، مقدمو برامج ليسوا على القدر المطلوب من الثقافة العامة، خلو القنوات من البرامج الثقافية والفنية المفيدة، برامج دينية تعج بالموضوعات الهامشية والفتاوى التي تبحث عن إشعال وسائل التواصل الاجتماعي والـ (تريند).
أما الراديو فحدث ولا حرج وبخاصة إذاعات الـ (إف إم)، التي تقدم برامج يستخف فيها المذيعون بالمستمعين، فيناقشون موضوعات تافهة، ويحاولون أن يظهروا بخفة ظل لا تليق، ناهيك عن الأخطاء اللغوية التي لا حصر لها.
وبالعودة إلى الإذاعات الرسمية، فقد اختفت نوعية البرامج التي كانت تلتف حولها الأسرة بأكملها، وذهبت الأصوات البراقة إلى غير رجعة، وانطفأ وهج الإذاعة، وابتعد المتابعون عن هذه الإذاعات لأنها مغرقة في التقليدية وعدم القدرة على التجديد والابتكار، هكذا الحال أيضاً في القنوات التلفزيونية الرسمية، التي رغم المحاولات في إقالتها من عثرتها وإفاقتها من سباتها، إلا أنها محاولات أرى أنها تبوء بالفشل، ولا حل إلا بالشراكة مع القطاع الخاص، لضخ أموال تغير من شكل البرامج وتمنح العاملين حقوقهم المادية اللائقة، وتزيد من قدرة هذه القنوات على المنافسة مع القنوات الخاصة، ولا حل أيضاً من غير التجديد والابتكار والتفكير في كيفية جذب المشاهد واستعادته مرة أخرى.
نعم يغلبنا الحنين إلى الماضي ونحن محقون في ذلك، فالأبيض والأسود يليقان بنا، وبأعيننا التي تعبت من الألوان التي لا تسعد الأعين بل تزيدها ألماً وحزنا.