مقالات الرأى

السيد خلاف يكتب : مفاوضات النار والسراب

0:00

في كواليس الحرب المستعرة على غزة، حيث تنهمر القنابل وتحترق خرائط الجغرافيا والإنسان، تدور مفاوضات لا تقل تعقيدًا عن خطوط النار، بل قد تكون أكثر خطورة منها، بين مساعي وقف إطلاق النار، وصفقات تبادل الأسرى، تبدو طاولة المفاوضات وكأنها مسرح مخادع، تديره واشنطن وتل أبيب بإتقان، بينما تتحرك حماس على حافة الدم، وتلعب مصر وقطر دور الوسطاء وسط غابة من الألغام السياسية والأمنية !

رغم المظاهر العلنية التي توحي بجدية إسرائيل وأمريكا في الوصول إلى تهدئة، فإن خداع استراتيجي أمريكي إسرائيلي يجعل النتيجة أكثر قتامة، واشنطن تتبنى خطابًا مزدوجًا: دعم معلن لوقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، وموافقة ضمنية على استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية لكسر إرادة حماس عبر عنه ترامب بقوله “علي إسرائيل أن تري ماذا تريد في غزة ” ، وفي المقابل، تمارس إسرائيل تكتيك “المفاوضات من أجل القتال”، حيث تستخدم المسار التفاوضي كغطاء لاستنزاف حماس، وتصفية ما تبقى من بنيتها العسكرية والقيادية، خاصة في جنوب القطاع.

ففي كل جولة تفاوض، ترفع تل أبيب سقف مطالبها بشكل متعمد، وتعود للحديث عن ضرورة “الانتصار الكامل” قبل أي اتفاق، ما يُفرغ المفاوضات
من مضمونها، أما واشنطن، فتبدو كمن يمنح الضوء الأخضر لتل أبيب بشرط أن يبقى في الظل.

حماس من جهتها، تدرك أن إسرائيل تسعى للتهرب من اتفاق شامل، وأن الهدف الحقيقي هو “إخراج حماس من المعادلة”، سياسيًا وعسكريًا، لكن الحركة تراهن على أن استمرار الصمود الميداني، وتماسك الجبهة الداخلية في غزة، سيجبر إسرائيل على تقديم تنازلات في ملف الأسرى ووقف إطلاق النار.

غير أن المعضلة الكبرى تتمثل في الثمن السياسي، إسرائيل تشترط الإفراج عن جنودها الأسرى دون ثمن حقيقي، وتحاول فرض صيغة تهدئة تمنحها الأمن دون أن تعيد إعمار غزة أو تنهي الحصار، وحماس ترفض أن تُقدَّم كمن انهزم وقبل بالشروط دون مكسب حقيقي.

الوسطاء مصر وقطر وجدوا أنفسهم بين المطرقة والسندان وفي موقف بالغ الحساسية ، فالقاهرة تدير الملف بحذر شديد، انطلاقًا من مصالح أمنها القومي، وخشية من انفجار الأوضاع في سيناء، لكنها تواجه تعنتًا إسرائيليًا وانعدامًا للثقة بين جميع الأطراف، أما قطر فتحاول الحفاظ على دور الوسيط المالي والسياسي، لكنها تبدو في مرمى الشكوك الإسرائيلية والأمريكية على حد سواء.

وقد كشفت مصادر مطلعة عن تباين واضح بين الطرح المصري والطرح القطري في جولات التفاوض الأخيرة، خاصة فيما يخص ترتيب مراحل الاتفاق، وضمانات تنفيذ الصفقة، وتتهم إسرائيل الوسطاء أحيانًا بـ”الليونة الزائدة” تجاه شروط حماس، بينما ترى حماس أن بعض الوسطاء ينقلون رسائل مغلوطة أو محرفة، ما يعمق أزمة الثقة.

وهو مايطرح التساؤلات:هل نحن أمام صفقة أم خدعة كبرى؟.. المشهد الحالي يوحي بأن إسرائيل لا تريد صفقة شاملة، بل اتفاقًا مؤقتًا يبقيها ممسكة بخيوط اللعبة، أما أمريكا، فهي تدير المفاوضات كأنها لعبة شطرنج إقليمية، لا كقضية إنسانية عاجلة، وبينما تتحدث الإدارة الأمريكية عن ضرورة إدخال المساعدات وتحقيق الهدوء، فإنها تمنح إسرائيل مزيدًا من الوقت لإنهاء مهمتها القتالية المعلنة.

وبينما يزداد الضغط الدولي لوقف الحرب، تتباطأ خطوات الاتفاق، في ظل غياب أي ضمانات حقيقية، وتزايد المؤشرات على أن هناك من يراهن على “استمرار التآكل البطيء لحماس”، وليس على حل جذري للأزمة.

حتى الآن يبدو أن المفاوضات التي تجري تحت النار مازالت نتيجتها وحقائقها تحت الطاولة ، كون وقف إطلاق النار ، والإفراج عن الأسرى، وترتيبات ما بعد ذلك حتى اللحظة، أقرب إلى مسرحية عبثية تُدار بالخداع الاستراتيجي ، لا بالبحث عن حلول، إسرائيل تفاوض لتربح الحرب، وأمريكا تفاوض لتُبقي قبضتها على الإقليم، وحماس تفاوض تحت الضغط وتراهن على الصمود، أما الوسطاء فهم محاصرون بين مناورات القوة وألغام السياسة.

وفي ظل هذا المشهد المعقّد، يبقى الثمن الأكبر هو الدم الفلسطيني، وتبقى غزة وحدها تدفع فاتورة الانتظار، تحت القصف وتحت الطاولة، وتبقى فلسطين نفسها مهددة بالوجود ،في ظل مخطط الشرق الأوسط الجديد الذي يراد فرضه على المنطقة وتدعمه وتعمل على تنفيذه مع إسرائيل دولا عربية وتحت الطاولة أيضا !

زر الذهاب إلى الأعلى