مقالات الرأى

اللواء مروان مصطفى يكتب : مفاوضات هزلية لاضاعة الوقت حتى تصل عربات جدعون

0:00

انه زمن اغبر … عندما يتعلق مصير بشر كثيرون وشعوبا ودول بما يحدث في مفاوضات هزلية لمجموعات من المنتفعين والسماسرة ومصاصي الدماء .. الذين يقومون في أداء تمثيلي كاذب بأنهم يضحون بإخلاص لحل القضية وانقاذ الشعب الضحية .. فمنهم الزعيم المتعجرف الذي فشل في تحقيق كل ما وعد به قبل توليه السلطة ، ويحاول الحصول علي اي مكسب ، ومنهم مصاص الدماء الذي يستمتع هو وجيشه بسفك دماء نساء وأطفال فلسطين ، وبكل فجور يضحي برهائنه وأسراه ليحافظ علي منصبه ،وليهرب من قضاياه ،وليغطي علي فشله الذريع قبل واثناء وبعد ٧ أكتوبر .
كلنا نعلم و نتفهم اسباب نتنياهو واهدافه الشيطانية لعدم ايقاف الحرب ، واطالة امد المفاوضات لحين اكتمال خطة حشر سكان غزة علي الحدود المصرية … ولكن ما لا نعلمه وما لا يمكن ان نستوعبه أو نتفهمه عن الدوافع الحقيقية للتصرفات الحمساوية الذي تخدم اسرائيل وتتوافق مع خطتها في استنزاف الوقت حتى يتحقق التهجير لسيناء.
تعلمون جميعاً ان المفاوضات الحاليه تجري علي مسارين مختلفين احدهما معلن ، والاخر سري ( بين الوفد الأمريكي برئاسة ويتكوف ، وبين قيادات حماس في قطر) والذين تولوا زمام القيادة بعد اغتيال اغلب قيادات الانفاق .. ويتم ذلك عن طريق وسيط يدعي الدكتور بشارة بحبح (الذي ولد في القدس ١٩٥٨ وهاجر لأمريكا ،وحصل علي الدكتوراه من هارفارد وكون منظمة “عرب أمريكيون من أجل السلام ” واصبح من اشد المناصرين للرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية .. وقد لعبت السيدة( سها عرفات) دوراً بارزاً في توطيد صلاته مع ( غازي حمد ) القيادي في حماس .
وترغب امريكا في انتهاز فرصة الواقع العسكري الجديد الذي خلقته اسرائيل في المنطقة للدخول في المفاوضات .. وعرض بعض الاغراءات حتي يتم الافراج عن جميع الرهائن وايقاف الحرب لكسب مزيد من تأييد اللوب الصهيوني ، وتحقيق رغبات الخليج للتفرغ بعد ذلك لايران.. بما يحقق انجازاً تاريخياً لترامب كرجل للسلام العالمي ليعوض فشله في ايقاف حرب روسيا وأوكرانيا .. وهوما يؤهله للحصول على جائزة نوبل للسلام ، ويحقق رغبته في امتلاك غزة واستثمار مواردها.. وترتكز خطتها علي :
• اخراج حماس من غزة ، وتجريدها من سلاحها ، ونفي قيادتها للخارج (وهو مطلب خليجي ) واختيار بعض فلسطيني الخارج، واعادة تأهيلهم سياسياً وفكرياً ( مثلما حدث مع الجولاني في سوريا )لإعادة ادماجهم في الحياة السياسية الفلسطينية وفقاً لمتطلبات الحقبة الجديدة .
• اعادة هيكلة السلطة الفلسطينية الشرعية وتجديد دمائها بعناصر جديدة تنبذ العنف ، وتعترف بحقوق اسرائيل ( ولذلك بادرت السلطة الفلسطينية بتعيين حسين الشيخ نائباً للرئيس ابو مازن ) تنفيذاً لذلك التوجه .
• التفكير في خلق كيان فلسطيني جديد ..يكون بديلاً عن صيغة الدولتين الذي يستحيل تنفيذه حالياً في ظل وجود نتنياهو وحكومته اليمينية ، ولحين التعرف علي النتائج النهائية لمخططات افراغ غزة .
اما بالنسبة لاسرائيل .. فلقد حددت شروطها في المفاوضات ( بعدم ايقاف الحرب الا بعد انتصارها الكامل ، واستسلام حماس ، وسحب سلاحها ، ونفي قيادتها للخارج دون اي ضمانات امنيه لهم أو لأسرهم ) وهي تستمر في قتل العدد الأكبر من سكان غزة وتحاصرهم لحين حشرهم علي الحدود المصرية.. والاحتكاك مع القوات المصرية.. والتعرف على رد الفعل المصري .. والمواجهة العسكرية المحتملة معهم التي سوف تجبر امريكا علي التدخل وتورطها عسكرياً لحماية اسرائيل ونصرتها ، واجبار مصر علي فتح حدودها بالضغط والقوة العسكرية .
اما عن قادة حماس ..فقد تنازلوا عن اغلب شروطهم ، واعلنوا استعدادهم الكامل للإفراج عن كل الرهائن دفعة واحدة في مقابل وقف الحرب ( رغم تأكدهم باستحالة قبول ذلك ) ولذلك تعدلت شروطهم وتبدلت الي مطالبات اخري خاصه :
• السماح لهم بالمشاركة في المستقبل السياسي الفلسطيني كحزب أو كيان سياسي سلمي لا يحمل السلاح .
• الحصول علي ضمانات وتعهدات امريكية مكتوبة وموثقة تضمن توفير الامان الشخصي لهم ولأسرهم .. والتعهد بعدم اغتيالهم مثلما حدث مع اسماعيل هنية خوفاً من اسرائيل التي قامت بتشكيل وحدة خاصة لتعقب كل من شارك في هجوم ٧ اكتوبر وقام نتنياهو بوضع صورهم علي لوحة كبيرة خلف مكتبه يتعمد اظهارها .
• التعهد بعدم تجميد أو مصادرة أموالهم في الخارج مثلما حدث في سوريا واستعادة ٥٠ مليون دولار سبق أن أودعها اسماعيل هنية وديعة باسمه الشخصي في بنوك تركيه ، ويرفض نجله الاكبر اعادتهم لحماس لانها كانت من امواله الخاصة في حسابه الشخصي ، وليست من اموال حماس الرسمية وهو ما أدي لقيام الرئيس التركي بتجميد المبلغ لحين تصفية الخلاف بينهم .
وبالطبع رفضت امريكا واسرائيل منحهم اي ضمانات او تعهدات مكتوبة بذلك حتي لا يتم استغلالها كاعتراف رسمي امريكي بشرعية حماس في المستقبل .
ودعوني أتساءل بكل الصدق وصفاء النوايا .. هل اقتنع الأطراف وتوافقا وتوحدت اهدافهم ،واتفقت مصالحهم فيما بينهم علي ان التهجير لسيناء هو الحل الامثل والافضل والانسب والذي يحقق احلامهم جميعاً ( بما فيهم اهالي غزة ).. ولكنه يتطلب مزيداً من الوقت وهو ما يمكن تحقيقه من خلال استمرار الحرب ، واطالة امد المفاوضات البيزنطية التي لا جدوي منها ولا عائد .. حتي يحين موعد وصول “عربات جدعون ” لمحطتها الأخيرة في سيناء قبل ان تبدأ رحلتها الثانية للضفة الغربية .
فهل من مجيب يرحمني ويرحمكم الله … !!

لواء / مروان مصطفى المدير الأسبق للمكتب العربي للإعلام الامني بمجلس وزراء الداخليه العرب

زر الذهاب إلى الأعلى