راندا الهادي تكتب: ظُلْمُ الكلماتِ

أنا أسيرة الكلمات ، وحدها تسعدني وتسحرني وتأخذني من حالٍ إلى حال ، فالكلمات هي الكرة الزجاجية التي تعكس عند تحريكها بين لسانك وشفتيك الفريد من المعاني ، والكلمات عندي مثل الأنتيك ، لا يعرف قيمتها سوى الخبير المتمرس ، بل إنها مثل برديات القدماء لا تمنح أسرارها إلا لشغوف متلهف .
وبقدر إحساسك بالكلمة واحترامك لها تمنحك طريق الوصول السريع لقلوب الناس قبل عقولهم ،ولعل هذه المعادلة هي ما يشغل بالي منذ فترة ، حيث علَّمنا أساتذة الأداء أمام الميكروفون أن لكل حرف في الكلمة زمن يجب احترامه ، فإذا أخللت به أضعت طريقك لأذن المستمع ، وبالتالي إلى قلبه وعقله ، لكن بالطبع حينها لم أدرك هذه الحقيقة حتى بدأت أركز في ما ينطقه مَن حولي من كلمات تجعلني أطلب منهم أن يعيدوا ما يقولون ، ظننت في البداية أن هناك مشكلة في السمع لدي ، ولكن أدركت أنهم يظلمون الكلمات ، ينطقونها بسرعة لا تعطي لكل حرف زمنه ، بل ويشوهون المعنى باستخدامها في غير محلها .
وهنا اعتقد أن من أخطر أنواع التلوث التي يجب اعتمادها من قبل المنظمات الدولية المعنية : التلوث اللفظي ، هؤلاء الذين يخلطون بين اللغات في تكوين ركيك ينم عن جهل وعدم انتماء للغتهم الأم ملكة اللغات ( اللغة العربية) ، أو من يكتبونها بحروف وأرقام ورموز ويطلقون عليها ( فرانكو) ، وفي هذا الصف الطويل لمنتهكي وظالمي اللغة العربية سنجد مَن يختارون أسماءً لمحالهم ومقاهيهم تسيء للعربية ولنظر المارة ، أما اللافتات فحدث ولا حرج ، في أحسن التوقعات لم يتجاوز من كتبها المرحلة الابتدائية ، وهذا يرجع لما تضمه من أخطاء في بنية الكلمات وكوارث في القواعد النحوية .
الكلمات تُهان بيننا كل يوم ، في المحادثات عبر الماسنجر والواتس ، وفي التعليقات على بوستات السوشيال ميديا ، وعلى قنوات الاتصال المختلفة من راديو وتلفزيون وتلك ستظل الطامة الكبرى ، لا يسبقها سوى تدني المستوى اللغوي لدى الساسة وصناع القرار والقضاة ، وهنا أتذكر موقف لا يُنسى للسياسي المخضرم الدكتور عمرو موسى حينما كان أمينًا عامًا لجامعة الدول العربية ، عندما أخطأ أحد الصحفيين في النطق الصحيح لسؤال ، فسارع بتصحيحه له ولفت انتباهه إلى أنه يتحدث في حرم جامعة الدول العربية .