راندا الهادي تكتب : زوبعة في فنجان

هذا المصطلح الذي نلجأ إليه دومًا لوصف واقع ما يعصف أحيانًا بمجتمعاتنا العربية -خاصة على المستويات الرسمية – من أحداث بقدر ما هو عبقري وبليغ ، بقدر ما هو موجع ومؤلم ، لأنه يرسخ لقاعدة أصيلة وهي : أننا شعوب لا تتعلم من التاريخ وتنسى بسرعة البرق مهما كانت التجارب التي مررنا بها مؤلمة أو ناجعة .
الزوبعة هي الدوامة الهوائية أو كما تسمى أحيانًا الريح الدوامية ، تأخذ شكل أسطواني ممتد لأعلى وتتحرك بالقرب من سطح الأرض مسببة الدمار لكل ما يدخل في نطاقها ، إذن من المفترض أن شكل الأرض يتغير بعدها عما كان قبلها ، أما زوبعة الفنجان فأثرها مؤقت زمانًا ومكانًا ، نعم هي زوبعة ولكنها تحت السيطرة .
تخيلوا معي أن أحداث حياتنا كلها زوبعة في فنجان ، بدءً من الأمور التي تمس حياتنا وصحتنا ، وانتهاءً بالروتين اليومي وما اعتدناه ، مثلًا قضية بلبن وغيرها من القضايا المشابهة ، هاجت الدنيا وماجت على السوشيال ميديا وبرامج التوك شو – التي تقتات من جمهور السوشيال ميديا- بسبب صحة قرار الغلق من عدمه ، وكارثة الاستهانة بصحة المصريين، وأصل وفصل صاحب هذه الإمبراطورية ، وحتمية تدخل الدولة ودورها في هذه المواقف . زوبعة انطلقت هل سنتركها تغير من قناعتنا في ماذا نأكل ؟ ، أو على ماذا ننفق أموالنا ؟ بكل بساطة الإجابة ( لا) لأنه فور حل المشكلة وفتح بلبن لفروعه ستعود مشاهد الطوابير أمام محلاته وكأن شيئًا لم يكن .
هل تتذكرون كورونا ؟ عندما انعزلنا عن العالم وتجمد كل شكل من أشكال التفاعل الاجتماعي في الحياة حولنا ، هل تتذكرون ماذا افتقدنا ؟ وما كنا نتمناه؟ بالطبع لا فقد كانت رغم قسوتها من تجربة زوبعة في فنجان .
هل مازلتم تحتفظون في الذاكرة بأخبار الفاسدين وشركات توظيف الأموال والمسئولين المرتشين وملطخي السمعة ؟ لأنه فور ظهورهم في الصورة مرة أخرى تُرفع لهم القبعة ويتم استقبالهم استقبال الأبطال ، بالطبع لأننا لا نتعلم من الزوابع مادامت مستقرة في الفنجان .
سننسى ونسامح ونعتاد ونرضى ، ولن نتعلم أبدًا ، لذا يمر العاقلون على تلك القضايا والأحداث مرور الكرام ، فهم يعلمون أن الوعي الجمعي للمجتمع (بعافية) ، لا يحتفظ بالدروس المستفادة من التاريخ ولا يتعلم منها ، وعلى استعداد للوقوع دومًا في الخطأ نفسه للمرة المليون .
هل هذه الحالة تعد آفة مجتمعية ؟ نعم ، وهل ممكن التخلص منها ؟ بالطبع ، فكما تعلمت اليابان كيف تتعايش مع كارثة الزلازل، وغيّرت من استراتجيتها المعمارية للحد من الأضرار ، يجب علينا البدء في التعلم وتنشيط الذاكرة ، يجب علينا كسر الفنجان ، لتغير الزوبعة في نفوسنا وعقولنا ما يلزم للنهوض والدفاع عن حقوقنا بل ووجودنا المهدد إذا لم نحتط لما هو قادم .