حازم البهواشي يكتب: في بلادي… جنب ولادي!!

مشاهدُ ولقطاتٌ أتوقف عندها في زيارة الرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” لمصر، والبداية بهذه الجولة التي اصطحبه فيها الرئيس “عبد الفتاح السيسي” حيث (خان الخليلي والحسين والجمالية)، أي في قلب القاهرة عاصمةِ مصرَ التاريخية التي أُسِّست منذ ما يقرب من 1056 سنة!! بما يعني أن حاراتِنا وشوارعَنا لها تاريخٌ قبل التاريخ ويفوقُ كلَّ تاريخ، وصدقَ الشاعر “عبد الفتاح مصطفى” (1924م _ 1984م) _ ابن حي الجمالية _ في رائعته (طوف وشوف) التي لحنها “رياض السنباطي” (1906م _ 1981م) وغنتها كوكب الشرق “أم كلثوم” (1898م _ 1975م): (كان نهار الدنيا ما طلعشي وهنا عِز النهار)!!
إذًا… المكانُ الذي برهنَ للعالم على عظمةِ مصر وقوةِ أمنها ووقوفِ شعبِها خلفَ رئيسِها، هو مكانٌ تاريخيٌّ حُقَّ لنا أن نفخرَ به، ونضعَه نُصب أعيننا ونحن نسعى لصناعة حاضر جديد!!
نعم، يستطيع غيرنا من أصحابِ الأموال أن يبنوا أعلى الأبراج وأكبرَ المساجد _ وهذا حقهم _ لكنهم لا يستطيعون بناءَ جامعٍ في عراقة الجامع الأزهر الذي أُنشِىء على يد “جوهر الصقلي” قائد الخليفة الفاطمي “المعز لدين الله” في (24 جُمادى الأولى 359هـ / 4 أبريل 970م) أي بعد عامٍ من تأسيس مدينة القاهرة، واستغرق بناؤه ما يقرب من (27 شهرًا)، حيث افتُتِح للصلاة في يوم الجمعة (7 رمضان 361هـ الموافق 21 يونيه 972م)، وقد احتفلَ في السابع من رمضان الماضي (1446هـ) بمرور (1085) عامًا هجريًّا على افتتاحه للصلاة. تستطيع بمالِك أن تبنيَ أعلى برج وأكبر مسجد، لكنك لا تستطيع بناءَ أقدم حارة وشارع ومسجد. ولا نزال نحتاج إلى كل (مُخلِص) لبناء هذا البلد، ولا نحتاج إلى (لِص)!!
مشهدٌ آخر في مستشفى العريش التي اصطحب الرئيسُ “السيسي” نظيرَه الفرنسيَّ لزيارتها، وقد توقفوا عند حالة السيدة “كوثر” البالغة من العمر (٢٥ سنة)، وهي مصابة بكسر في العمود الفِقْري بسبب قصف منزلها، ما أحدثَ لها شللًا في الطرفَين السُّفْلِيَّيْن!!
وبلهجةٍ شاميَّة، قالت المرأةُ الفلسطينية القوية المرافقةُ للحالة بعد أن حمِدتِ اللهَ _ سبحانه _ وشكرتْ مصرَ ورئيسَها من كل قلبها على المعاملة والعناية: (إحنا حاسّين حالنا بين أهلنا آه، بس الواحد ما فيه بعد تراب بلاده، نخَلّص علاجنا وأروح أبوس تراب بلادي عند ولادي وزوجي، يدفنوني جنب ولادي اللي استُشهدوا، ماطلعش من بلادي، مافيش بعد تراب بلادي، يدفنوني جنب ولادي، أكتر من هيك مش طالبة)!!
هذه الكلمات تؤكد تمسك الفلسطينيين بأرضهم رغم المعاناة التي ليس لها مثيل، وتؤكد أن موقفَ مصر من رفضِ التهجير ليس بسبب كُره استضافة إخواننا الفلسطينيين، لكن من أجل ألا تضيع القضية؛ فأرض فلسطين هي أرضهم وحقهم، والتمسك بالحق واجب. وإن كان الرئيسُ الأمريكي “دونالد ترامب” يرى غزة مهمةً من الناحية العقارية، ولا يفهم لماذا تخلّت إسرائيلُ عن هذه المنطقةِ المُطلة على البحر، وقدَّمتها لهؤلاء الناس؟! فإننا نعرف أرضنا شِبرًا شِبرًا، ونعرف قيمتَها، ونعرف أنها لا تَصلحُ لعَيْشِ غيرِنا؛ فالأرضُ تعرفُ أصحابَها، والدماءُ تلعنُ مَن أراقَها، وتطردهم ولو بعد حين!!
وللهِ دَرُّ من قال: (الظروفُ الصعبة تَصنعُ رجالًا أقوياء… الرجالُ الأقوياء يَصنعون ظروفًا مُترفة… الظروفُ المُترفة تصنعُ رجالًا ضُعفاء… الرجالُ الضعفاءُ يَصنعون ظروفًا صعبة).