مقالات الرأى

حازم البهواشي يكتب: أن تكون إنسانًا !!

0:00

تقول المعاجم: إن الإنسانَ هو الكائنُ الحي المفكر، والإنسانية هي المصدر الصناعي من كلمة إنسان، وهي تعني مجموعَ خصائص الجنس البشري التي تُميزه عن غيره من الأنواع القريبة، وعكسُها البهيميةُ أو الحيوانية. ولسنا بحاجةٍ إلى التعريف المعجمي ليتأكدَ لنا أن ما يحدث من العدو في شمال شرق مصر هو حالةٌ من اللإنسانية بما لا يدعُ مجالًا للشك؛ حيث أُهدِرت قيمةُ الإنسان وحقوقُه، وأصبح وَصْفُ ما يحدث بكلماتٍ مثلِ (القسوة _ الهمجية _ البهيمية…. إلخ) وصفًا فيه تهوينٌ للحدث، فربما لم تتصور الإنسانيةُ يومًا ما أن تكونَ هناك أفعالٌ كهذه، فلم تعرف اللغاتُ بعدُ كلماتٍ يُمكنها أن تُعبر وتَصِفَ ما يحدث!!

هناك كائنٌ حي ينتمي إلى الجنس البشري لا يُفكر إلا في الشر والأذى، هو من حيث الخصائص إنسان، ولكنه لا يتمتع بأيٍّ من صفات الإنسانية!! فالفِعْلُ (آنَسَ) فيه من اللطف والرحمة والإحساس والأُلفة والسكن والاطمئنان وذهاب الوحشة ما يُغني عن أي حديث مُطول يُعدد ويشرح صفاتِ الإنسانية.

حين نعلنها صراحةً وبكل فخر أن الإنسانية تفخر بنبينا محمد _ صلى الله عليه وسلم _، ذلك يعني أنه وصل إلى أعلى الدرجات في كل الصفات حتى اعتلى الخُلُقَ “وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ” ( القلم _ 4 )، “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ” ( الأنبياء _ 107 ).

ولما كان التحلي بالصفات الإنسانية يحتاج إلى مجاهدة نفس، فإن الأمرَ ليس في تكوينك الجسدي الذي من خلالِه يقولون إنك إنسان!! ورحمَ اللهُ الحكيمَ الذي يُروَى أنهم

قالوا له: إن فلانًا قادرٌ على الطيران!
فأجاب: هذا أمرٌ غيرُ مهم؛ فالذبابُ والبعوضُ يطيران!!
قالوا: وفلانٌ يَسِيرُ فوق الماء!
أجاب: وهذا أيضًا غيرُ مهم؛ فـ ( لوحُ الخشب ) يطفو فوق الماء!!
قالوا: فما هي المعجزة؟!
قال: أنْ تمشيَ بين الناس، وتَصْبِرَ على أذاهم، ولا تفقدَ مَبادىءَ الأخلاق، أنْ تكونَ إنسَانًا، تِلْكَ هِيَ المُعْجِزَةُ الحَقِيقِيَّة!!

الطيَّاران اللذان استُشْهِدا فى إطار تنفيذ النشاط التدريبي للقوات الجوية المصرية يوم الإثنين (19 / 5 / 2025م) كانا في قمة الإنسانية إذ فضَّلا حياةَ جموع الناس على حياتهما، فلم يتركا الطائرةَ تسقط على تجمعاتٍ سكنية حتى لا تُسببَ كارثة، وفضَّلا التضحيةَ بنفسَيهما!! تخيلْ نفسَك في هذا الموقف، فمَن ستختار… حياتك أم حياة أناسٍ لا تعرفهم؟! لذا فالإنسانية نعمةٌ كبيرة لا يعرفها كثيرٌ من الناس!!

أن تتصرفَ بضمير حتى ولو لم يكن أحدٌ يراك، أن تفكرَ بغيرِك وتشعرَ بأثرِ كلماتِك وتصرفاتِك وأفعالِك عليه، ألا تشغلَ نفسَك بما لا يعنيك، ألا تُنصِّبَ نفسَك قاضيًا وجلّادًا، ألا تنسَى الفضلَ لمن كان يومًا شريكَ حياتِك، ألا تُعايرَ مَن كنتَ يومًا صديقَه وكان يُفضفض لك ويُسِرُّ بدافعٍ من الثقةِ بينكما، ألا تَشمَتَ في ابتلاءاتِ الآخرين، ألا تتكلمَ على أحدٍ بما لا تستطيعُ قولَه في حضوره، ألا تفضحَ من ائتمنك، ألا تحسدَ من أنعمَ اللهُ عليه… تلك هي الإنسانية.

الإنسان مشروعٌ يستحق البناء، والإنسانيةُ تدفعنا إلى التعايش حتى مع الخلافِ وفي لحظات الخصام، وما دام الإنسانُ كائنًا يُفكر وله تاريخ فلا بد أن يَستخدمَ عقلَه في التفكيرِ فيما يجعلُه أفضل، ويَقرأَ تاريخَه ليرتقيَ بإنسانيتِه.

أيها الكائن: اِعْلَمْ أنه لن يَبْقَى مِنك غيرُ مواقِفك الطيبة وأثرِك الحُلو في قلوبِ الناس.

زر الذهاب إلى الأعلى