د.عبد الله الثقافي الهندي يكتب : التنوع الثقافي والديني في الهند

تُعدّ الهند واحدة من أكبر الديمقراطيات في العالم، وهي نموذج فريد يجمع بين التنوع الثقافي والديني والسياسي. ورغم كثافتها السكانية وتعدد طوائفها وأعراقها، استطاعت أن تحافظ على نظام ديمقراطي يمنح الحرية لجميع مواطنيها، بمن فيهم أتباع الديانات المختلفة، ومن أبرزهم المسلمون الذين يشكّلون نسبة معتبرة من السكان.
في الهند، تُمارس الحريات الدينية بشكل واسع، ويوجد فيها آلاف المساجد والمدارس والجامعات الإسلامية التي تخرّج العلماء والدعاة، وتنتشر المجالس العلمية في مختلف الولايات، مثل جامعة مركز الثقافة السنية وغيرها من المؤسسات الإسلامية العريقة.
ومن الجوانب الروحية والتاريخية التي تُذكر عن الهند، أن بعض المؤرخين خاصة سيرة بن اسحاق ذكروا أن نبي الله آدم عليه السلام نزل إليها عندما أُهبط من الجنة. و أن آدم عليه السلام مكث في الهند أربعين عامًا، وكان معه الحجر الأسود، الذي حمله بعد ذلك إلى مكة المكرمة. كما أشار الإمام زين الدين المليباري في كتابه “فتح المعين” إلى أن آدم عليه السلام حجّ من الهند إلى مكة أربعين مرة مشيًا على قدميه، ما يدل على الصلة الروحية العميقة بين الهند والبيت الحرام.
ورغم هذا التاريخ الطويل من التعايش والتسامح، إلا أن كثيرًا من شعوب العالم، وخاصة في بعض البلدان الإسلامية، يحملون تصوّرًا خاطئًا عن الهند، ويظنون أنها بلد يضطهد المسلمين أو لا يُمنح فيه أتباع الإسلام حريتهم الدينية، بينما الحقيقة على الأرض تختلف كثيراً. في الهند، تسير الأمور بطريقة تختلف كثيرًا عمّا يحدث في العديد من الدول، حيث يُتاح للمسلمين حرية بناء المساجد، والتعليم، وممارسة شعائرهم الدينية بلا قيود تُذكر في غالب الأحوال.
لهذا، فإن من الضروري أن يتعرّف العالم الإسلامي على الوجه الحقيقي للأمر، لا من خلال الشائعات والصور النمطية، بل من خلال التواصل المباشر بالزيارة والاطلاع عن قرب على الواقع.
من المؤسف والمقلق في آنٍ واحد أن بعض وسائل الإعلام، وكذلك بعض الأئمة والخطباء في المساجد، عبّروا عن مواقف معادية لطرف على حساب طرف في الصراع الهندي الباكستاني، دون الاطلاع الكافي على حقيقة ما يجري على الأرض. وقد جاءت هذه المواقف بناءً على روايات أحادية الجانب، لا تعكس الصورة الكاملة، ولا تأخذ بعين الاعتبار حجم المعاناة التي تكبدتها الشعوب جراء الهجمات الإرهابية.
و على مدى سنوات، وقع العديد من الهجمات الإرهابية الخطيرة التي استهدفت المدنيين الأبرياء والمنشآت الحيوية. وكان من بين ضحايا هذه العمليات مئات من الأبرياء، من رجال ونساء وأطفال، لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا يمارسون حياتهم اليومية.
لذا فردع الإرهاب وضمان الأمن حق مشروع تؤيده القوانين الدولية، ويمليه الواجب الوطني والإنساني تجاه حماية أرواح الأبرياء.
من هنا، فإننا نهيب بكل من يتناول هذا الموضوع، سواء في الإعلام أو منابر الوعظ، أن يتحرّى الحقيقة من مصادر موثوقة في كل الأحوال.
الهند ليست ضد الإسلام، ولا ضد المسلمين، بل هي دولة ديمقراطية يعيش فيها ملايين المسلمين بسلام، ويتمتعون بحقوقهم كمواطنين كاملي المواطنة. الصراع القائم ليس دينيًا، بل سياسي وأمني في جوهره، ولا ينبغي تحميله أبعادًا طائفية أو مذهبية تثير الفتن وتغذّي الكراهية.
——
عميد كلية أصول الدين بجامعة مركز الثقافة الإسلامية بالهند