مدحت سليمان يكتب : هل نحتكر الفضاء العام باسم الدين؟

في الآونة الأخيرة، ظهرت عادة جديدة في محطات المترو، تحديدًا بين بعض الشباب الذين يمتلكون أصواتًا جميلة في تلاوة القرآن. نراهم يصورون أنفسهم وهم يقرؤون آيات القرآن أو يلقون خطبًا بلغة عربية فصحى، في بث مباشر أو مقاطع مصورة بهدف الانتشار والظهور. قد يرى البعض في هذا شيئًا جميلاً، وقد يراه آخرون تعبيرًا عن الإيمان. لكن يبقى السؤال الذي لا بد من طرحه: ماذا لو قام شاب مسيحي بالفعل نفسه؟ ماذا لو قرأ ترانيم داخل المترو أو ألقى عظة عن السيد المسيح؟
هل سنقبل بذلك بنفس الحفاوة؟ أم سنرفضه ونصفه بأنه “يستفز المشاعر” أو “يخالف العرف”؟
أنا أدرك تمامًا أن هذا الكلام قد لا يروق للبعض، وقد يعتبره آخرون خروجًا عن المألوف أو حتى “كفرًا”. لكن ما أطرحه هنا ليس قضية دينية، بل قضية مواطنة واحترام متبادل. نحن جميعًا أبناء هذا الوطن، بدستور واحد وقانون واحد، ودين كل منا له احترامه ومكانته. ألم يأمرنا الله بقوله: “لكم دينكم ولي دين”؟
أستعيد هنا واقعة بسيطة ولكنها معبّرة: قبل نحو شهر، وجدت في مصعد إحدى العمارات ورقة معلقة كُتب عليها “صلوا على النبي”، وبعدها بيوم ظهرت ورقة أخرى تحمل آية قرآنية. هكذا تحوّل المصعد إلى مساحة دينية. والسؤال: ماذا لو قرر جار مسيحي أن يضع ورقة تحتوي على نص ديني مسيحي؟ هل ستُترك في مكانها؟ أم ستُزال بحجة أن “هذا ليس مكانًا للدين”؟
نفس الأمر يتكرر على مواقع التواصل الاجتماعي. نرى منشئي محتوى علمي أو رياضي أو فني، يفتتحون حلقاتهم بعبارات دينية مثل “صلوا على النبي”، وهو أمر طيب في نواياه، لكن لماذا يفترض صاحب المحتوى أن كل متابعيه مسلمون؟ ربما يتابعه مصريون من ديانات مختلفة، لا يعرفون شيئًا عن دينه، ولا يهمهم ذلك أصلًا.
بل إن بعض المجموعات على “فيسبوك” تطلب من الراغبين في الانضمام أن يكتبوا عبارة دينية كشرط لقبولهم. ما الرسالة هنا؟ هل أصبحت الهوية الدينية شرطًا للمشاركة في الفضاء العام، حتى لو لم تكن المجموعة ذات طابع ديني؟
السؤال الأكبر الذي يطرح نفسه الآن: هل نحن فعلًا شركاء وطن؟ هل نؤمن بصدق أن “الدين لله والوطن للجميع”؟ أم أن هذه شعارات نرفعها فقط، ثم نعود لاحتكار المجال العام باسم الأغلبية؟
هذه ليست دعوة لفصل الدين عن الحياة، بل دعوة لاحترام الدين في مكانه، واحترام الإنسان في حقه بالمساواة، أياً كان دينه.
مجرد سؤال… لكنه يستحق التأمل.