مقالات الرأى

د. أمانى فاروق تكتب : عايشة والدور المفقود

0:00

في زحام الحياة اليومية، تنشغل المرأة بدورها كأم وزوجة، فتنسى نفسها وسط تفاصيل لا تنتهي، وتتلاشى أحلامها أمام جدول مزدحم بالمسؤوليات. إنها رحلة تبدأ بحب وتفانٍ، لكنها قد تنتهي بفقدان الذات. وربما لهذا السبب نجح مسلسل عايشة الدور في أن يصبح من أكثر الأعمال الدرامية الرمضانية تميزًا هذا العام، حيث قدم فكرة مختلفة وجريئة جعلت منه حديث المشاهدين والنقاد على حد سواء. فالعمل لا يعتمد على الحبكة التقليدية بقدر ما يعتمد على الفكرة العميقة التي تطرحها أحداثه، إذ تتحول الفكرة ذاتها إلى البطل الحقيقي للقصة.

عايشة، بطلة المسلسل، امرأة كرست حياتها لأبنائها، انشغلت بتمارينهم ومدارسهم ومذاكرتهم، حتى نسيت نفسها تمامًا. لم تعش شبابها كما ينبغي، ولم تمنح أحلامها فرصة الظهور. في المقابل، غاب الزوج عن المشهد، منشغلًا بحياة تبدو وكأنها مراهقة متأخرة، متحررًا من أعباء الأسرة، تاركًا لها وحدها مسؤولية المنزل والأبناء. في لحظة فارقة، تجد عايشة نفسها في شخصية فاطيما، الفتاة الشابة التي أعادت إليها الإحساس بالحياة، وكأنها نافذة تطل بها على عالم جديد لم تعرفه من قبل. وهنا يضعنا المسلسل أمام تساؤل جوهري: هل الحل في الهروب من الواقع بحثًا عن حياة أخرى، أم في إعادة اكتشاف الذات داخل الحياة ذاتها؟

ما يجعل عايشة الدور عملًا دراميًا ناجحًا ليس فقط الحبكة المتقنة أو الأداء القوي، بل قدرته على إثارة قضية تمس كل امرأة تقريبًا. فالمسلسل لا يدعو إلى التمرد بقدر ما يطرح فكرة التوازن. هل يحق للمرأة أن يكون لها كيان مستقل، وقت خاص، حياة لا تختزل فقط في دور الأمومة؟ أم أن المجتمع سيظل ينظر إليها باعتبارها مجرد ظل لعائلتها؟ إنه السؤال الذي يطرحه العمل دون مباشرة، من خلال مشاهد تعكس واقعًا تعيشه ملايين النساء دون أن يجدن له حلًا.

الحقيقة أن المرأة التي تعتني بذاتها وتعيش لحظاتها الخاصة ستكون أكثر قدرة على العطاء. فالإنسان لا يستطيع أن يمنح من رصيد فارغ، والسعادة ليست رفاهية بل ضرورة. حين تحب المرأة نفسها وتمنحها حقها في الحياة، ستكون أمًا وزوجة أكثر توازنًا، أما إذا تلاشت وسط زحام المسؤوليات، فإن ما تقدمه سيكون مجرد واجب بلا روح.

من هنا تأتي أهمية هذا المسلسل الذي لم يقدم مجرد حكاية درامية عابرة، بل حمل رسالة عميقة بأن المرأة لا يجب أن تفقد ذاتها تحت مسمى التضحية. فالسعادة ليست خيارًا مؤجلًا، والمرأة ليست مجرد دور تكميلي في حياة الآخرين، بل هي حياة بذاتها تستحق أن تُعاش بكل تفاصيلها.
——
مدير مركز التدريب والتطوير بمدينة الانتاج الاعلامى

زر الذهاب إلى الأعلى