محمد عبد الحليم يكتب: من منا اقتحم العقبة؟
كثيرون يحرصون على أداء الفروض الدينية من صلاة وصيام وحج، معتقدين أن هذه العبادات وحدها كفيلة بضمان دخولهم الجنة. لكن حين نتأمل في القرآن الكريم، نجد أن الأمر أكثر عمقًا وتعقيدًا. فالآيات لم تضع ضمانًا مباشرًا لدخول الجنة بمجرد أداء الشعائر، بل شددت على اجتياز “العقبة”، وهي اختبار حقيقي لقدرة الإنسان على العطاء والرحمة والتكافل.
في تقديري الشخصي، يأتي الوصف القرآني لهذه العقبة بدقة مذهلة: “فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة. فك رقبة.” (البلد 11-13). في الزمن القديم، كانت الرق تعني العبودية الفعلية، لكن في زمننا هذا، قد يكون الإنسان عبدًا للفقر أو الظلم أو العجز. لذا، فإن أي فعل يحرر إنسانًا من قيوده ويمنحه فرصة حياة كريمة، فهو بمثابة “فك رقبة” في المفهوم القرآني.
بعد تحرير الإنسان من العبودية، تأتي الخطوة التالية: “أو إطعام في يوم ذي مسغبة. يتيمًا ذا مقربة. أو مسكينًا ذا متربة.” (البلد 14-16). وهنا يكشف القرآن عن عمق المعنى الإنساني، فالإطعام ليس مجرد عمل خيري، بل هو امتحان للإنسان في أكثر الأوقات قسوة. فاليتيم القريب أو المسكين الذي أنهكته الحياة، هو المستحق للعطاء دون انتظار مقابل.
الأمر المثير هنا أن الله لم يقيد العطاء بدين أو عقيدة، فلم يقل “اليتيم المسلم” أو “المسكين المؤمن”، بل جعل المساعدة مفتوحة لكل محتاج، بغض النظر عن هويته.
بعد تجاوز هاتين العقبتين، تأتي العقبة الأصعب: “ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة. أولئك أصحاب الميمنة.” (البلد 17-18). وهنا يكمن جوهر الرسالة، فالرحمة ليست شعورًا عابرًا، بل سلوك يتجلى في العدل، والتسامح، وعدم أكل حقوق الآخرين، وعدم التمييز ضد المختلفين.
الرحمة تعني أن يساند الرجل زوجته لا أن يقهرها، وأن تحفظ المرأة كرامة زوجها لا أن تستنزفه، وأن يكون الجار عونًا لجاره لا مصدر إيذاء، وأن تمتد اليد للمحتاج بلا حسابات أو انتظار شكر.
الدين الإسلامي رسالة عظيمة، لا تقتصر على الطقوس، بل تهدف إلى بناء مجتمع قائم على الرحمة والعدل. فحين يكون فعل الخير نابعًا من القلب، وليس طمعًا في ثناء أو منصب أو مجد، تكون الآخرة خيرًا وأبقى.
فيا ترى، من منا اقتحم العقبة؟