مقالات الرأى

رأفت السويركي يكتب: مصر لا تُفَرِّط في أرضِها ولن تقبل بشطب فلسطين من الخريطة

ما يشد الانتباه في الوقت الراهن تجاه قضية “تخريف” الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” بالدعوة لتهجير الفلسطينين أصحاب الأرض الحقيقيين من فلسطين “وطنهم الأصلي” إلى “وطن مستصنع” و”مستقطع” من سيناء المصرية والأردن؛ هو أن الكلمات الترامبية “الفكاهية” تُعتبر جزءاً من تمثيلية سياسوية متكررة؛ وبطلها في هذه المرحلة هو هذا الرئيس الأميركي؛ وتتم في إطار مناورة مرتبطة بما يُسمى تسديد فاتورة فوزه بالرئاسة الأميركية لداعميه من اليهود الأميركيين.
فالتناقض الذي يسقط في أفخاخه دونالد ترامب… أنه في الوقت الذي يسعى فيه لإغلاق الحدود الأميركية تجاه المهاجرين العابرين للحدود من الحالمين بجنة “ماما أميركا”؛ يدعو في الوقت ذاته لإزاحة وحرمان شعب عميق الوجود من البقاء في وطنه؛ تنفيذاً لمتوهم “سيناريو الشرق الأوسط الصهيونوي الجديد”. والمُتَيَقَّن منه ولا نقاش حوله أن “دعوة ترامب الصهيونية” وقد وقف في فترة رئاسته السابقة أمام “حائط المبكى” لن تتحقق؛ بواقع الثوابت التاريخية؛ والديموجغرافية والعقدية والثقافوية العميقة؛ والنافية لمبررات تحقيق كيان استعماري غربي مستصنع في المنطقة.
إن جُلَّ الحقائق التاريخانية تثبت أن فلسطين هي أرض عربية عربية عربية خالصة، إذ سُمِّيَت “أرض كنعان” نسبةً لوجود الكنعانيين/ اليبوسيين ” بها وهم أحد بطون القبائل الكنعانية”؛ التى هاجرت إليها من شمال الجزيرة العربية أي قبل مجىء العبرانيين؛ “وقد سادت لغتهم الکنعانية وهي لغة عربية قديمة، کان يتکلم بها أهل الجزيرة العربية قبل هجرتهم، ثم تفرعت عنها لهجات أخرى، وفيها قاموا ببناء “القدس” قبل خمسة آلاف سنة وأسموها “يبوس” في حوالي العام (3000) ق. م – وكما تذكر المراجع – أي قبل ظهور “اليهودية” بسبعة وعشرين قرناً.
كما بنى الكنعانيون بها “أريحا” أول مدينة فى التاريخ؛ ثم “مدينة الخليل” ثانى أقدم مدينة تاريخية يعود تاريخها إلى ما يزيد عن 4000 سنة ق.م؛ والتي اكتسبت شهرتها بقدوم سيدنا إبراهيم الخليل جد الأنبياء عليه السلام إليها بعد مغادرته بلدته “أور” في العراق؛ وفي رحابها توفي؛ وفي أرضها دُفِن.
لذلك فإن محاولة “السطو اليهودية” على (فلسطين/ أرض كنعان) تتغافل عما يقوله المتخصصون في رصد أدبيات وحقائق التاريخ بـ “أن بني إسرائيل – قوم موسى – عندما جاؤوا إلى بلاد كنعان، كانت المدن الكنعانية ذات حضارة قديمة؛ فيها الحكومة وأنشطة الصناعة والتجارة. ولم يُقَمْ لليهود كيانٌ سياسيٌ في المنطقة أكثر من سبعين عاماً على عهد النبيين داود وسليمان” عليهما السلام .
ومعنى الكلام هنا أن العقل الصهيونوي يسعى عبر القوى الاستعمارية الرأسمالية المساندة له لتأكيد انفراده بأرض “كنعان/ فلسطين” والتي ليست له؛ وقد ظل يعمل بدأب لتهويد فلسطين منذ المحاولات التي جرت أيام السلطان العثمانللي عبد الحميد الثاني، وصولاً إلى الإنجليزي “جيمس آرثر بلفور” بوعده المشؤوم.
ويأتي دونالد ترامب في مرحلة رئاسته الثانية؛ ليستكمل تنفيذ فعاليات العقل الرأسمالوي المتصهين والتي كان له بنفسه دورٌ مشبوهٌ مسبقٌ في فترة رئاسته السابقة، حيث بالجرأة المرفوضة “قَوْنَنَ” أميركيا / صهيونيا ُ اعتبار “القدس” عاصمة لــ “الدولة المتصهينة”، ووقع إشهاراً بذلك مكسباً إيّاه الصفة الرسمية!
وهاهو يستغل بمطلبه المقترح حدث نتائج رد الفعل الصهيوني لمغامرة “حركة حاء الفلسطينية / فرع جماعة حسن الساعاتي البنَّاء” المسماه “طوفان الأقصى” والذي أنتج حدوث “طوفان تدمير غزة”؛ وكأن الحدث ذاته يكمن خلفه توافق “حماس/ صهيوني”؛ إذ تسبب في استشهاد مئات الألوف من الفلسطينين؛ فيما مناضلوا “حركة حاء” المتأخونة كامنون بسلام في أنفاق غزة. ويكفي لإثبات عدم خجلهم مما تسببوا فيه من دمار لغزة تلك الحالة من الأناقة والبريق في ملابسهم وأسلحتهم وسياراتهم؛ خلال تبادل المحتجزين والأسرى من الجانبين تنفيذا لبنود اتفاقية تجميد القتال بالرعاية المصرية الأميركية القطرية سعياً لإنقاذ أهل غزة من الموت المجاني.
لذلك تترك التصريحات الهوجاء لترامب ردود أفعال حاسمة ورافضة لهذا الخطاب الصهيوني؛ وينبغي ألا ننسى ما ذكره الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في بدايات الحدث؛ مشدداً على أن “تهجير الفلسطينيين إلى مصر خط أحمر”، وأن إخراج الفلسطينيين من أراضيهم يعني عدم عودتهم إليها أبداً، وهو ما يهدد جوهر القضية الفلسطينية.
وقد تجلى إدراك السياسة المصرية الرسمية للُّعْبة ما أكده الرئيس السيسي في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشار الألماني أولف شولتس: “إذا كان هناك فكرة لتهجير الفلسطينيين؛ فتوجد صحراء النقب في إسرائيل… حتى تنتهي إسرائيل من مهمتها المعلنة ضد الفصائل المسلحة… ثم يتم إعادتهم مجدداً مرة أخرى”.؛ واصفاً تهجير الفلسطينيين إلى سيناء “ينقل فكرة المقاومة والقتال من قطاع غزة إلى سيناء، أي أن المواجهات هتتنقل إلى أن المواجهات تكون مع مصر، ومصر دولة كبيرة حَرِصَت على السلام بإخلاص”. وهذا ما يضعه الكيان الصهيوني في حسبانه هو ورعاته؛ لأنه سينقل المواجهات إلى جبهة ستكون أكثر شراسة (حرب1973 م أنموذجاً).
لذلك فإن الاتصال الهاتفي الذي بادر به الرئيس رونالد للرئيس السيسي مؤخرا؛ تميز بالدبلوماسية التي تقدر حقيقة وفعالية الحجم المصري؛ ومن المؤكد أنه عرف الثوابت المصرية في هذه القضية الشائكة واستحالة تجاوزها أو القفز فوقها؛ فتميزت المخابرة الهاتفية ـ حسب المنشور رسمياً ـ بالحرص الشديد على استمرار التواصل بين البلدين؛ مع الدعوة المشتركة من الجانبين لتبادل زيارتين وديتين مفتوحتين: السيسي لـ “واشنطن” وترامب للقاهرة في افتتاح المتحف المصري الكبير؛ بما يعزز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين بما يسهم في دعم استقرار منطقة الشرق الأوسط.
إن ما يتحرك به الرئيس عبد الفتاح السيسي مستند إلى الاستراتيجية المصرية التاريخية بعدم التفريط في حبة رمل واحدة من الوطن بفعالية قواها السيادية جيشاً وشرطة وشعباً؛ وكذلك الحرص على فلسطين السليبة؛ والذي تجلى في حجم ردود الأفعال الوطنية النقية الرافضة لتصريح “دونالد ترامب” من الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب المصري الأصيل؛ إذ تحركت قوافله إلى “معبر رفح المصري” برعاية تنظيماته الجماهيرية السياسوية لدعم الموقف الرسمي المصري ورفض ما يسعى لتكريسه الرئيس الأميركي.
غير أن الملفت في الأمر هو تلك الحملة العشواء التي تقوم بها قطعان “جماعة حسن الساعاتي البناء” الصهيوماسونية؛ وبعض “مرتزقة الدولارات” من المتنشطين والذين في الفضاء الافتراضوي يُخادعون جماهير ذلك الفضاء بأن مصر ستقبل ما طلبه ترامب وتنفذه.
وذلك ليس بمستغرب من تلك”الجماعة الصهيو/ وظيفية المتأخونة”؛ والتي لا تزال تمارس التزييف المقيت تجاه الدور المصري الراسخ؛ فتشن تجاهه حملات مريضة ومتداعية بحكم أن ذلك ليس منفصلاً عن وظيفية تلك الجماعة التي تشكلت بالدعم البريطاني والرعاية الأميركية؛ فهذه الطبيعة المتأصلة لديها تجعلنا نعيد التذكير بدورها المخزي “المسكوت عنه” عمداً والخاص بالقرار المشبوه المفاجئ الذي كان اتخذه “حسن الساعاتي البنَّاء”، بسحب المقاتلين المنتمين للجماعة من أرض المعارك 1948م فور وصول الجيوش العربية إلى فلسطين؛ فيما نوعية الحرب كانت تحتاج إلى نمطية “حروب العصابات”؛ وليس بكتل الجيوش النظامية من دون طيران حربي يدعمها؛ حيث العصابات اليهودية كانت تتمركز في مواقع يسهل الدفاع الفردي عنها بالمدافع؛ وكانت تحتاج إلى نمط المواجهة الفدائي.
“حسن الساعاتي البناء” هذا – وقد سبق أن قدمت تفكيكاً لقراره المشبوه ذلك – لم يكن يسعى لتحقيق الانتصار الحاسم على العصابات الصهيونية؛ وإنما اتخذ المشاركة غطاءً لتكوين ميليشياته العسكرية؛ فأصدر أوامره بإعادتها إلى مصر؛ بعد أن تلقت التدريبات محلياً وميدانياً، ومارست العمل القتالي في أرض المعارك.
وذلك الأمر يكشف “الوجدان اليهودي” للبنَّاء؛ حين يصف اليهود في كتابه “أحاديث الثلاثاء” والذي جمعه تلاميذه من درسه المنعقد كل يوم ثلاثاء؛ وخلاله يذكر أنهم “جنس انحدر من أصول كريمة”؛ ويقول بفجاجة أن” وطنهم الأصلي فلسطين”؛ مُضيفاً: “وكان أول من أقرهم يوسف عليه السلام: (اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا، وائتوني بأهلكم أجمعين.. } إلى قوله تعالى { وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين} (يوسف 99-93).
من يقرأ التاريخ بوثائقه المختلفة؛ ويتحرر من تفسيراته الزائفة… سيضع يده على الحقيقة بأن فلسطين عربية عربية عربية؛ ومصر لا يمكن أن تفرط في أرضها وكذلك لن تقبل بشطب فلسطين من الخريطة.

زر الذهاب إلى الأعلى